بعث الحبيب رسائل الأعطار
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بعث الحبيب رسائل الأعطار" | "فأتت تهيم بها صبا الأسحارِ |
مرَّت بنا سكرى يضمخ طيبها" | "حلل الدجى وعمائم الأشجارِ |
طافت بقامات الغصون كؤوسها" | "فتمايلت من هزّةِ الإِسكارِ |
واستقبلت دِمَنَ القلوبِ هشيمةً" | "فأزاح باردُها مشاعلَ نارٍ |
إِنَّ الحبيب وإن تمذهب في الجفا" | "قَصْدَ الوفا بمواجب الأحرارِ |
والدين مألفة التقى وعلامة" | "تمحو الشقا كالماء أو كالنارِ |
لما رأى موتي ضنى أمر الصَبا" | "رأس الأطبّة أن تعوج بداري |
يا نفحة رشفت لَماهُ فأرضعت" | "أحشاء جسم فيه حكم الباري |
خطرت بمسرَاها اللطيف ضعيفة" | "تدني الخطأ مخضوبة الأسوارِ |
عوجي بجسمي فهو مثلك رقة" | "واجري بدمعي فهو إثرك جارِ |
فلعل خيل الحظ تركض بي إلى" | "أرض اللقا في حلبة الأقدارِ |
ولعل كف الدهر تمحو ما بدا" | "من صرفه بجميله الستَّارِ |
فلطالما خضنا حشى ليل الرضا" | "قبل الفراق وللسرور مجاري |
وكأنما المريخ مجمر فضةٍ" | "شبت عليه بقية من نارِ |
والليل مسود الجبين تروعه" | "شهب السما كمطالب بالثارِ |
يَسْودّ خوفاً من أسنّتها وقد" | "يبيضّ أمناً من سنى الأقمارِ |
لكن جيوش دجاه قد دفقت على" | "اغراق أعداهُ عباب بحارِ |
فغدا يجرّ بنا السرور إلى الذي" | "نهوى وفيه قرة الأبصارِ |
َعَلا بنا الإِقبالُ أفقَ حديقةٍ" | "جمَّاعةِ الأسماع والأبصارِ |
نَسَج الربيع لها بروداً دُبِّجت" | "من حسن لونَي فضّةٍ ونضُارِ |
نصب الغمام على رؤوس خيَامها" | "للفاكهين ملاحف الأستارِ |
قد كللت أشجارها بجواهر" | "الأزهار لا بجواهر الأحجارِ |
وشقائق النعمان تضرم نارها" | "لتذيب تبر غلائل الأزهارِ |
ونواضر النوار قد فقأت متى" | "ذابت عليها فضة الأنهارِ |
والطير يشدو في الغصون كأنما" | "نَغَماته ضرب من الأوتارِ |
وتهبُّ من بين الخمائل نسمة" | "طافت على الأحشا بكأس عُقَارِ |
لله ما أحلى لُيَيْلتَنا بهَا" | "جمعت صنوف الحسن للنظارِ |
فالأرض فُرْشٌ والنبات أسرِّةٌ" | "والنَّشرْ مسك والمقام نهاري |
والنهر صرف والكواكب أكؤس" | "والطير عود والغصون جوارِ |
وقد انتهت حسناً ولم نبرح بهَا" | "أكرْم بهَا من روضة معطارِ |
وجرى شذاها في الرياض كما جرى" | "فضل أبن يوسف سائر الأقطارِ |
ذاك الامام المغربي محمد" | "ذو الفضل والمعروف والإِيثارِ |
قطب الدنا ملك الورى طود العلا" | "رب الندى علم الهدى للساري |
أنشاه رب العرش أكبر آية" | "في الأرض قد بهرت أولي الأبصارِ |
وأقامه في العالمين خليفة" | "لا زال يمحو آية الكفارِ |
ولقد تبحّر في العلوم فلم يزل" | "متدفقاً في سائر الأمصارِ |
نشر المنافع بالأراضي قاذفاً" | "بجواهر الآثار والأذكارِ |
تبدي نتائجه النفيسَة نفعها" | "لكن تقطع أكبدُ الأشرارِ |
وجرى على الدين القويم فأشرقت" | "أعلامه مكشوفة الأستارِ |
فغدا به بيت الضلال مهدّماً" | "خاوي الأوانس دارس الآثارِ |
وله خصال ليس يدرك شأوها" | "تسبي الأنام ولات حين مُماري |
قد أفحم البلغاء بالحجج الَّتي" | "برهانها يغشى على الأسحارِ |
قد أبطل الشجعَان في الوقت الذي" | "أمواجه تزري على التيارِ |
قد أعجز النجباء بالهمم التي" | "يُوري بهَا في الماء جذوة نارِ |
قد أزهد الزهاد بالورع الذي" | "تنذاب منه قسوة الأحجارِ |
قاد الزمانَ ذكاؤه فمضى على" | "أمنٍ ولم يأذن له ببوارِ |
واستخدمت أيامُه أبناءه" | "فجرى بهم في طاعة الجبَّارِ |
وتقحمت أهواؤه ما شاء من" | "نيل الجميل بجده الوقَارِ |
وعلت به هِمَاته هامَ العُلا" | "حتى استوى بأسرَّة الأقمارِ |
وتصرَّفت أحكامه بين الورى" | "فكأنه قَدَر من الأقدارِ |
وأطاف بالدنيا نداهُ وعدله" | "فتكفّلا بإِزالةِ الأكدارِ |
فكسَاه رب العرش ثوب سلامة" | "وجلالة وسكينة ووقارِ |
وغدا وكلٌّ وارد من فضله" | "إما لدنيا أو لدار قرارِ |
يا من توطّن حبُّه في مهجتي" | "هب لي غنىً من غامض الأسرارِ |
وانْصَب لربك لي فيرفع رتبتي" | "ويجرُّني من عالَم الأغيارِ |
واسألهُ يلهمْني العلوم فإنني" | "لا شك من حلل المعارف عارِ |
فجزاك من سوَّاك فينا حجة" | "أعلى المقام بجنّة الأبرارِ |
وإليكها عذراءَ ترفل من بني" | "مدحي إليك بسندس الأنوارِ |
وافت لشيخ سوف يجلو أجرَها" | "بمديحه مني صدى الأوزارِ |
كملت محاسنه فلم تر مسلكاً" | "في الفضل إلا وهو فيه جاري |