مَا لِلمَلِيكِ مُؤَرَّقاً يَتَقَلَّبُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَا لِلمَلِيكِ مُؤَرَّقاً يَتَقَلَّبُ | هَلْ يَحْمِلُ الْهَمَّ السَّرِيرُ المُذْهَبُ |
أَنْتَ الرَّجَاءُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَرْتَجِي | وَالرَّوْعُ أَنْتَ فَأَيَّ شَيْءٍ تَرْهَبُ |
وَالمُلكُ جِسْمٌ أَنْتَ فِيهِ هَامَةٌ | وَيَدَاكَ مَشْرِقُ شَمْسِهِ وَالمَغْرِبِ |
إِني مُنِيتُ بأُمَّةٍ مَخْمُورَةٍ | مِنْ ذُلِّهَا وَلَهَا الْقَنَاعَةُ مَشْرَبُ |
لاَ ظُلْمَ يَغْضِبُهُمْ وَلَوْ أَوْدَى بِهِمْ | أَتَعِزُّ شَأْناً أُمَّةٌ لاَ تَغْضَبُ |
إِنْ يَبْكِ ثَاكِلُ وُلْدِهِ وَزَجَرْتَهُ | عَنْ نَحْبِهِ أَلْفَيْتَهُ لاَ يَنْحَبُ |
وَإذَا نَهَيْتَ عَنِ الْوُرُودِ عِطَاشَهُمْ | وَتَحَرَّقَتْ أَكْبَادُهُمْ لَمْ يَشْرَبُوا |
وَإِذَا أَذَبْتَ الشَّحْمَ مِنْ أَجْسَامِهِمْ | تَعَباً فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ لاَ تَتْعَبُ |
أَعْيَانِيَ التَّفْكِيرُ في أَدْوَائِهِمْ | مِمَّا عَصِينَ وَحِرْتُ كَيْفَ أَطَبِبُ |
إنَّ الْجَمَادَ أَبَرُّ مِنْ أَرْوَاحِهِمْ | بهِمُ وَأَمْتَنُ في الدِّفَاعِ وَأَصْلَبُ |
فَلأَبْنِيَنَّ لَهْمْ جِدَاراً ثَابِتاً | كَالأَرْضِ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَخَرَّبُ |
تَقَعُ الدُّهُورُ وَكُلُّ جَيْشٍ ظَافِرٍ | مِنْ دُونِهِ وَثَبَاتُهُ مُتَغَلِّبُ |
وَتَهُزُّ مَنْكِبَهُ الصَّوَاعِقُ حَيْثُمَا | شَاءَتْ وَلاَ يَهْتَزُّ مِنْهُ المَنْكِبُ |
وَيَعَضُّهُ نَابُ الصَّوَاعِقِ مُحْرِقاً | فَيَرُدُّهُ كِسَراً وَلاَ يَتَثَقَّبُ |
وَيَمِيدُ ظَهْرُ الأَرْضِ تَحْتَ رِكَابِهِ | وَرِكَابُهُ فِي المَتْنِ لاَ تَتَنَكَّبُ |
وَلأَجْعَلَنَّ بِهِ البِلاَدَ مَنِيعَةً | يَرْتَدُّ عَنْهَا الطَّامِعُ المُتَوَثِّبُ |
وَلأَدُعُوَنَّ مَمَالِكِي وَشُعُوبَهَا | بِاسْمِي فَيُجْمَعُ شَمْلُهَا المُتَشَعَّبُ |
وَلأَمْحُوَنَّ رُسُومَ أَسْلاَفِي بِهَا | فَيَبِيتُ مَاضِي الصِّينِ وَهْوَ مُحَجَّبُ |
وَيُظَنُّ عَهَدِي بَدْءَ عَهْدِ وُجَودِهَا | فَيَتِمُّ لِي الفَخْرُ الَّذِي أَتَطَلَّبُ |
يَا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي حَسَنَاتُهُ | فَوْقَ الَّذِي نُثْنِي عَلَيْهِ وَنُطْنِبُ |
كَمْ غَزْوَةٍ لَكَ في عِدَاكِ عَجِيبَةٍ | لاَ شَيْءَ غَيْرَ نَدَاكَ مِنْهَا أَعْجَبُ |
كَمْ رَحْمَةٍ قَلَّدْتَ أَقْواماً بِهَا | أعْنَاقَهُمْ وَالسَّيْفُ يُوشِكُ يَسْلُبُ |
كَمْ مِنَّةٍ لَكَ فِي الْعِبَادِ جَمِيلَةٍ | كَالشَّمْسِ تُنْمِي رَوْضَةً وَتُذَهِّبُ |
هَذِي كَوَافِلُ حُسْنِ ذِكْرِكَ في الْوَرَى | وَأَبَرُّ مَا يَبْقَى الْفَعَالُ الطَّيِّبُ |
يَكْفِيكَ فَخْراً أَنَّ أَعْظَمَ أُمَّةٍ | تَنْضَمُّ في مُلكٍ إلى اسْمِكَ يُنْسَبُ |
فَعَلاَمَ أَنْتَ تُزِيلُ ذِكْرَ مُلُوكِهَا | وَأُولَئِكَ الْعُظَمَاءُ مَوْتَي غُيَّبُ |
إِنْ تَمْحُ مِنْ أَسْفَارِهِمْ أَخْبَارَهُمْ | فَالصَّخْرُ يُنْحَتُ وَالمَنَاحِتُ تُكْتَبُ |
وَلَيَعْلَمَنَّ النَّاسُ بَعْدَكَ أَمْرَهُمْ | فَتُلاَمُ مَا طَالَ المَدَى وتُؤَنَّبُ |
خَدَعَتْكَ كَاذِبَةُ المُنَى بَوعُودِهَا | وَالحُرُّ يُخْدَعُ وَالأَمَانِي تَكْذِبُ |
وَإِذَا نَظَرْتَ إلىَ الْحَقِيقَةِ صَادِقاً | فَالذِّكْرُ لَيْسَ يُعِيدُ عُمْراً يَذْهَبُ |
أَمَّا الْجِدَارُ فَلَو رَفَعْتَ بِنَاءَهُ | حَتَّى اسْتّقَرَّ عَلَى ذُرَاهُ الكَوْكَبُ |
وَلَو الْجِبَالُ جُعِلْنَ بَعْضَ حِجَارِهِ | وَلُحِمْنَ حَتَّى المَاءُ لاَ يَتَسَرَّبُ |
فَلَيُحْدِثّنَّ النَّاسُ مَا هُوَ فَوْقَهُ | عِظَماً وَإتْقَاناً وَمَا هُوَ أَغْرَبُ |
وَلَتُصْنَعَنَّ نَوَاسَفٌ تُثْفَى الرُّبَى | بِدُخَانِهَا مَنْثُورَةً تَتَلَهَّبُ |
وَلَتَنْفُذَنَّ إِلَى بَكِينَ خَلاَئِقٌ | بَيْضَاءُ تَغْنَمُ مَا تَشَاءُ وَتَنْهَبُ |
تَأْتِي بِهَا فَوْقَ الْبِحَارِ سَفَائِنٌ | كَالْجِنِّ في جِدِّ الْعَوَاصِفِ تَلْعَبُ |
مَاذَا يُفِيدُ السُّورُ حَوْلَ دِيَارِهِمْ | وَقُلُوبُهُمْ فِيهَا ضِعَافٌ هُرَّبُ |
فَأَبَرُّ مِنْ تَضْيِيقِ دُنْيَاهُمْ بِهِ | أَنْ تَرْحُبَ الدُّنْيَا بِهِمْ مَا تَرْحُبُ |
أَلأَمْنُ قَتَّالُ الشَّجَاعَةِ فِيهِمُ | وَحَيَاتُهَا فِيهِمْ مَخَاوِفُ تُرْقَبُ |
لاَ يَعْصِمُ الأُمَمَ الضَّعِيفَةَ فِطْرَةً | إِلاَّ فَضَائِلُ بِالتَّجَارِبِ تُكْسَبُ |
فَتَكُونُ حَائِطَهَا المَنِيعَ عَلَى الْعِدَى | وَتَكُونُ قُوَّتَهَا الَّتِي لاَ تُغْلَبُ |