رؤيـا ..
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
هرَبتْ مدينتُنا | فركضتُ أسْتجلي مسالكَها | ونظرتُ - لم ألمحْ سوى الأفُقِ | ورأيتُ أن الهاربين غداً | والعائدين غداً | جسَدٌ أمزّقه على ورقي. | .. | ورأيتُ - كان الغيمُ حُنجرةٌ | والماء جُدراناً من اللّهب | ورأيتُ خيطاً أصغر دَبقاً | خيطاً من التاريخ يَعلقُ بي | تجترّ أيامي وتعقدُها | وتكرّها فيهِ - يدٌ ورثتْ | جنسَ الدُّمى وسُلالة الخِرَقِ. | .. | ودخلتُ في طقس الخليقة في | رَحِم المياه وفِتْنَةِ الشّجَرِ | فرأيتُ أشجاراً تراودني | ورأيت بين غُصونها غُرفاً | وأسرّةٌ وكوىً تُعاندني، | ورأيت أطفالاً قرأتُ لهم | رَمْلي ، قرأت لهم | سُوَرَ الغمام وآيةَ الحَجَرِ؛ | ورأيت كيف يسافرون معي | ورأيت كيف تُضيء خلفهمُ | بُرَكُ الدّموع وجُثّةُ المطرِ. | .. | هَربت مدينتُنا - | ماذا أنا، ماذا؟ أسنبلةٌ | تبكي لِقبّرةٍ | ماتت وراء الثلج والبَردِ | ماتت ولم تكشف رسائلها | عني ولم تكتب إلى أحدِ، | وسألتُها ورايت جثّتَها | مطروحةً في آخر الزّمنِ | وصرختُ - "ياصمت الجليد أنا | وطَنٌ لغربتها | وأنا الغريبُ وقبرُها وطني". | .. | هربت مدينتُنا | فرأيتُ كيف تحوّلت قدَمي | نهراً يطوف دماً | ومراكباً تنأى وتتّسعُ | ورأيتُ أن شواطئي غَرَقٌ | يُغوي وموجي الريح والبجعُ. | .. | هربت مدينتُنا | والرفضُ لؤلؤةٌ مكسّرةٌ | ترسو بقاياها على سفُني | والرفضٌ حطّابٌ يعيش على | وجهي- يلملمني ويُشعلني | والرفض أبعادٌ تشتّتني | فأرى دمي وأرى وراء دمي | موتي يُحاورني ويتبعني. | .. | هربت مدينتُنا | فرأيت كيف يُضيئني كفَني | ورأيت - ليت الموت يُمهلني. | |
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (أدونيس) .