لَمّا اِستَفاقَت عُيوني
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لَمّا اِستَفاقَت عُيوني | في ذِلَّتي وَهَواني |
عَزمتُ أَن أَتَعَرّى | مِن شهوَتي فَثَناني |
وَقالَ لي الحُكم حُكمي | وَالأَمرُ طوع بناني |
لا تَستَطيع التَغَنّي | في الحُبِّ عَن سُلطاني |
وَالحُبُّ لا يَتَغَذّى | إِن لَم يَكُن شَهواني |
فَلَم أَجِد لي مَفيضاً | يَوماً مِن الإِذعانِ |
فَصِرتُ أَغذوهُ عاراً | وَالنَفسُ في تَيَهانِ |
وَصارَ يُسكر روحي | بِنَغمَتَي خَفَقانِ |
بِنَغمَةٍ مِن لَهيبٍ | وَنَغمَةٍ مِن دُخانِ |
حَتّى ظَنَنتُ نَعيمي | في ذلِكَ البُركانِ |
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ | |
وَطَّأتَ لي كَنفَ الدُنيا فَقُلتُ قِفي | يا نَفسُ في مُنهَلِ اللَذّاتِ وَاِرتَشِفي |
وَمالَ مذهب طَبعي عَن سَجِيَّتِهِ | حَتّى تَقَلَّب في بُطلِ وَفي صَلفِ |
وَغابَ عَنِّيَ أَنّي عشبَةٌ نَبَتَت | عَلى جَوانِبِ إِبريق مِن الخَزفِ |
عَلى جَوانِبِ إِبريقٍ إِذا نَظَرَت | عَين إِلى عَتقه اِنحَطَّت عَلى تَلَفِ |
فَخّارَةٌ ذاتُ نَتنٍ | قَديمَة كَالزمانِ |
مَرَّت قُرون عَلَيها | فَحال لَون الدهانِ |
وَمَهَّد النِتنُ فيها | مَسارِبَ الديدانِ |
فَخّارَةٌ دَنَّسَتها | خَواطِرُ الإِنسانِ |
تَخاصَمَت جانِبيها | مَظالِمُ الأَديانِ |
كَأَنَّما الدينُ فيها | ضَرب مِن الوَيلِ ثانِ |
كَم مَرَّة أَوعَدَتها | ثَوائِرُ الغَليانِ |
وَكَم تَفَجَّرَ فيها | بِالأَمسِ مِن بُركانِ |
تَبقى قُروناً طِوالاً | وَتَمّحي في ثَوانِ |
خَزّافها ذو حَنانٍ | حيناً وَذو سُلطانِ |
يَنهى وَيَأمُر بِالصا | عِقاتِ وَالنيرانِ |
ديدانُها مُسكَرات | بِخَمرَةِ التيجانِ |
وَالتاجُ لَو هِيَ تَدري | مَعنى مِن البُهتانِ |
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ | |
فُخّارَةٌ جُبَلت بِالدَمعِ وَالطينِ | مِن عَهد قايينَ أَو مِن قَبلِ قايينِ |
نيرونُ أَضرمُ فيها جَمرَ مُقلَتِهِ | تِلكَ البَراكينُ مِن أَجفانِ نيرونِ |
تبادَرَتها مِن الديدانِ طائِفَة | أَبطال حَرب مِن الغُلبِ المَجانينِ |
ما كانَ إِسكَندَرُ فيها سِوى شَبح | يَحجّب الشَمسَ عَن عَينَي ديوجينِ |
ما كانَ جِنكيز إِلّا | شَرارَةٌ في الكَيانِ |
تَضَرَّمَت وَتَوارَت | بَينَ الرَمادِ الفاني |
رَبِّ المَغول إِله ال | نيرانِ وَالعِصيانِ |
ثارَت عَلَيهِ كَما ثا | رَ سنَّةُ النيرانِ |
وَالنارُ تَمحقُ إِلّا ال | تِذكار في الأَذهانِ |
أَبقَت لِفارِسَ ذِكرى | كِسرى أَنوشروانِ |
وَقَوَّضَت ما بَناهُ | مِن شاهِقاتِ المَباني |
لَم تُبقِ إِلّا بَقايا | خَورَنق النُعمانِ |
تِلكَ البَقايا عِظات ال | زَمانِ لِلإِنسانِ |
تِلكَ البَقايا رُموزٌ | لِسُخرِيات الأَماني |
أَينَ الَّذي شَيَّدتَهُ | جَلائِلُ الرومانِ |
حُلم مِن المَجدِ أَبقى | أُسطورَة في اللِسانِ |
شَرعُ المُقدّر أَلّا | يَبقى سِوى الخَسرانِ |
أَما الكَمال فَحُلمٌ | في هَجعَةِ النُقصانِ |
يُرقى إِلَيهِ رُوَيداً | عَلى مُتونِ الزَمانِ |
عَلى الإِرادَةِ وَالتَض | حِياتِ وَالعُرفانِ |
حَتّى إِذا حُكَّ كانَ ال | كَلامُ لِلطوفانِ |
وَكانَ لِلنّارِ رَأيٌ | وَلِلدَّمارِ يَدانِ |
أُمُّ الزَلازِلِ طوّا | فَةٌ بِكُلِّ مَكانِ |
آثارها باقِيات | وَقفاً عَلى الأَجفانِ |
وَالناسُ وآحسرَتاهُ | إِثنانِ مُختَلِفانِ |
أَعمى لَهُ مُقلَتانِ | في العَقلِ مُبصِرَتانِ |
وَمُبصِرٌ أَظلَمتهُ | عَينانِ لا تَرَيانِ |
تُرى مَشيئَتُك العليا تُناديني | بِثَورَة النارِ في تِلكَ البَراكين |
رَبّاهُ هَل يَنتَهي حِلمي بِبارِقَةٍ | مِن اللَهيبِ وَيَخبو الطينُ في الطين |
وَهَل أَرى زاحِفاً في اللَيلِ مُلتَهِباً | بِجَمرَة السَخطِ في أَيدي الشَياطينِ |
أَدعوكَ وَالظُلمَةُ الحَمراءُ تَحرِقُني | فَلا تُجيبُ وَتَلوي لا تنجّيني |
أَعرَضتُ عَنكَ غداةَ القَلبِ ضَلَّلني | كَأَن شَهوَة قَلبي عَنكَ تُغنيني |
وَحينَ أوقظتُ مِن سُكر الهَوى خَجَلاً | بَحَثتُ عَنكَ وَكادَ العارُ يخفيني |
فَلَم تُمِل قَلبَكَ الرَحمن عَن أَلَمي | وَقلتَ تَطلُبني بَينَ المَساكين |
لكِنَّني عُدتُ بَعد ال | تَكفيرِ عَن تَيَهاني |
إِلى ذُنوبٍ جسامٍ | كَثيرَةِ الأَلوانِ |
ملوِّثاتِ بِدَمعٍ | مُخَضّبات بِقانِ |
وَقُلتُ لِلقَلبَ أَطلِق | في الموبِقاتِ عَناني |
طيف الإله بَعيد | وَعَينه لا تَراني |
وَقيل يَوم عَصيبٌ | يَنقضُّ قَبل الأَوانِ |
تنفَّذ النار فيهِ | وَالحُكم للدّيانِ |
فَرحتُ أَسأَلُ نَفسي ال | دفاعَ عَن كفراني |
فَلَم أَجِد مَن يُحامي | عَنّي سِوى بُهتاني |
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ |