غَسلَ البَدرُ بِالضِياءِ الظَلاما
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
غَسلَ البَدرُ بِالضِياءِ الظَلاما | وَبَكى وَالدُموعُ كانَت هِياما |
وَمَشى النُجمُ خَلفَه بِخُشوعٍ | فَكَأَنَّ النُجومَ صارَت يَتامى |
وحشةُ اللَيلِ وَالسَكينَةُ وَالصَم | تُ وَمرُّ النَسيمِ كانَ كلاما |
فَكَأَنَّ الوُجودَ أَنطَقَه الحُز | نُ فَجاءَت أَلفاظُه آلاما |
وَالفَضا شاخِصٌ إِلى الجَبلِ العال | لي يُناجي الربوعَ وَالآكاما |
فَتُجيبُ الرُبوعُ بِالصَمتِ وَالدَم | عِ وَلا تنبسُ الشفاهُ اِحتِراما |
فَصَليبُ الآثامِ ما زالَ حَيّاً | وَصَليبُ السَلامِ صارَ رُغاما |
ما وَراءَ الأَدغالِ مرَّ خيال | حَمَّلَ القَلبَ أَدمُعاً وَكَلاما |
كانَ يَمشي الطَريقَ مَهلاً وَلكِن | عِندَما قارَبَ الصَليبَ تَرامى |
هذِهِ مجدليَّة الحُزن جاءَت | تَطرَحُ الحُبَّ لِلمَسيحِ طَعاما |
طالَما في الحَياةِ غذَّتهُ بِالحُ | بِّ وَروَّتهُ من هَواها مداما |
إِنَّ لِلمَوتِ مُهجَةً وَفُؤاداً | يَنشدانِ الحَياةَ عاماً فَعاما |
لا تَموتُ القُلوبُ إِن سَكَبَت في | جَوفِها أَنمُلُ السَماءِ غَراما |
نَظَرَت نَظرَةَ الوَداعِ إِلَيهِ | فَبَكَت أَدمُع الهِيامِ سِجاما |
وَرَأَت مِن جَبينِهِ الجُرحَ يُدمي | وَرَأَت فَوقَ وُجنَتَيهِ الحِماما |
وَرَأَت يا لِهَولِ ما قَد رَأَتهُ | شَبَحَ الروحِ دامِعاً بَسّاما |
شَبح الحُبِّ حامِلاً في يَدَيهِ | قَلبَ حَسناءَ خافِقاً مُستَهاما |
هُو رَمز لِقَلب مَريَم رَمز | لِغَرامٍ رَأى الحَياةَ سآما |
فَتَوارى يَنامُ في المَوتِ لكِن | قَد أَعَدَّ الخُلودَ فيهِ مناما |
صَرَخَت مَريمٌ بِقَلبٍ جَريحٍ | أَبِظُلمٍ قَد نَفَّذوا الإِعداما |
جِئتَ توحي روحَ السَلامِ إِلَيهِم | ما لَهُم عَزَّزوا بِكَ الآثاما |
يا حَبيبي إِجعَل جُروحَ فُؤادي | أَن تُبَلّ الدماءُ مِنها أُواما |
فَأُرَوّيكَ من دِمائي بِكَأسٍ | حَملت في شُعاعِها الأَيّاما |
يا حَبيبي ما لِلزُّهورِ حَزانى | مُطبِقاتٍ عَلى الجَمالِ الكِماما |
وَالغَديرُ المُنسابُ يَجري رَهيباً | مُنشِداً في نحيبِه الأَنغاما |
ما لِعَينَيَّ تَغشيانِ رُوَيداً | وَرُوَيداً تُطارِدانِ الأَناما |
آه إِنَّ العُيونَ بِالحُبِّ تَحيا | فَإِذا فورِقَت تَصيرُ أَيّامي |
سَأُوافيكَ عَن قَريبٍ فَهَيّء | خَيمَةَ الحُبِّ بَينَ زَهرِ الخُزامى |
فَتعيد الزُهورُ ذكرَ حَياةٍ | سنَّ فيها لَنا الغَرامُ نظاما |
عِندَ هذا رَأس المَسيحِ اِستَقاما | فَإِذا الشَوك قَد تَخَطّى العِظاما |
وَالجَبينُ المشوكُ ينسجُ لِلوَج | هِ مِن المَصلِ وَالدِماءِ لثاما |
وَبِجُنحِ الدُجى أَفاقَ المَو | تِ بَكيّاً وَالدَمع كان هِياما |
وَلَدُن أَبصَر الحَبيبَةَ تَبكي | أَطبَقَ الجفنَ في الخُلودِ وَناما |
في سَماءِ الخُلودِ خيمَةُ زَهرٍ | حَيثُ عيسى وَمريمٌ قَد أَقاما |
خيمَةٌ لِلهَوى يُبَطِّنُها الحُ | بُّ وَيَأبى وُجودُها الإِنصِراما |
نعِمَ العاشِقانِ فيها طَويلاً | وَتَناسى قَلباهُما الأَسقاما |
فَعَذابُ الساعاتِ كانَت خُلوداً | أَبديّاً وَلم تَكُن أَحلاما |
وَاِستَفاقَ المَسيحُ من سُكرَةِ الحُ | بِّ يخالُ السَماءَ أَمسَت ضراما |
فَرَأى الكَونَ بِاِضطِرابٍ عَظيمٍ | وَرَأى في شُعوبِهِ الإِجراما |
سنَّةُ الظُلمِ سار كُلٌّ عَلَيها | وَغَدا العَدلُ شِرَّةً وَغُراما |
وَاِستَمَرَّ اللَئيمُ في حوبَةِ اللُؤ | مِ فَأَمسَت كلُّ الشُعوب لئاما |
فَرَّقَ الناسَ دينُهُم لا سَلامٌ | يَجعلُ الرفَ بَينَهُم وَالوئاما |
فَسَلامُ الوَفاقِ صار حُروباً | وَصَليبُ الوِئامِ صارَ حُساما |
فَبَكى اليَوم لِلسَّلام وَلكِن | ما بكاهُ بِالأَمسِ كان خِصاما |