مُلِّيَ النورَ قَبلَ عَهدِ البُدورِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مُلِّيَ النورَ قَبلَ عَهدِ البُدورِ | فَهوَ شطرٌ مِنَ الضِياءِ الكَبيرِ |
أَطلَعَ اللَهُ في الحَياةِ رِجالاً | غَمَروا لُجَّةَ الظَلامِ بِنورِ |
هُم بُدورُ الأَجيالِ هُمُ شُعراءُ ال | أَرضِ هُم كَهرَباءُ هذا الأَثيرِ |
كُلَّما ذَرَ شاعِرٌ في سَماءٍ | شَعَرَ اللَيلُ بِاِنقِلابٍ خَطيرِ |
إِنَّما الشاعِرُ الحَقيقِيُّ يَشقى | بمُجاجاتِ زَيتِهِ المَنذورِ |
كَالمَناراتِ تَبعَثُ النورَ في اللي | لِ وَتَشقى في الشاطىءِ المَهجورِ |
أَو دُخان مِنَ المَجامِرِ يَرقى | حامِلاً لِلنُفوسِ عِطرَ البَخورِ |
هُوَ مِن نَزوَةِ النُبوغِ أَذانٌ | أَن يَرى البُؤسُ شُعلَةً في الصُدورِ |
وَقَضاءٌ لِلعَبقَرِيَّةِ أَلّا | يَبسِمَ المَجدُ في جَناحِ النُسورِ |
هكَذا الحِكمَةُ الخَفِيَّةُ شاءَت | فَهيَ تُخفي أَقباسَها في الضَميرِ |
تَمنَعُ النورَ عَن عُيونِ السلاطِ | ينِ وَتُعطيهِ لِلعَرّي الضَريرِ |
أَوحَشَ الرَوضُ في الخَريفِ فَلا تَس | معُ فيهِ أُغرودَةً لِلطُيورِ |
وَالزُهورُ الَّتي تَنَشَّقتَ رَيّا | ها تَخَلَّت عَن خِدرِها لِلصُحورِ |
وَسُقوطُ الأَوراقِ يَسلَخُ في الفَج | رِ بَقايا الآمالِ في المَصدورِ |
أَينَ تِلكَ الزُهورُ يَنفَرِطُ الصَب | حُ عَلَيها بِاللُؤلُؤِ المَنشورِ |
يَذبُلُ الزَهرُ في الخَريفِ وَيُنقي | لِبُذورِ الرَبيعِ بَعضَ عُطورِ |
هكَذا الشاعِرُ المُحَلِّقُ إِذ يَم | ضي وَتَبقى آثارُهُ لِلدُهورِ |
لَم يَمُت شاعِرُ اللَيالي فَعَينا | هُ تَشعّانِ في الكِتابِ الصَغيرِ |
رُبَّ سِفرٍ أَضاسَ هَيكَلَ نورٍ | خَلَدَت فيهِ مُقلَتا شِكسبيرِ |
رُبَّ سِفرٍ مَحا قُصورَ الدهاقي | نِ وَأَعلى بِالمَجدِ كوخَ الفَقيرِ |
لا يَموتُ الفَيّاضُ وَالشِعرُ حَيٌّ | وَعَلى البُؤسِ بَسمَةٌ لِلثُغورِ |
وَعَلى مَحجَرِ اليَتيمِ مِنَ القَلبِ | دِماءٌ مَحمومَةٌ بِالزَفيرِ |
وقُلوبُ الشَبابِ تَنبِضُ لِلحُ | بِّ وَتَأوي إِلى عَذارى الخُدورِ |
لا يَموتُ الفَيّاضُ ما دامَت الأَر | واحُ تَهتَزُّ لاِختِلاجِ الصَريرِ |
وَجَمالُ الأَفكارِ مِن مُحرِقاتِ ال | قَلبِ يَمتَدُّ في شُعاعٍ طَهورِ |
وَالسَماعُ الطافي عَلى وَتَرِ الشِع | رِ يُشيرُ الهَوى بِمُردٍ وَحورِ |
يا خَيالاً في الصُبحِ خَدَّرَ أَجفا | ني وَنوراً في اللَيلِ كانَ سَميري |
قُل لَهُم أَستَريحُ في قُصرِيَ المَم | لوكِ مِن بُؤسِ بَيتيَ المَأجورِ |
رَبحَ السَيفُ فانِياتِ القَضايا | وَمَلَكتُ العُلى بِبَعضِ سُطورِ |
مَلَكٌ في جُجُنَّتي يَتَمَنّى | مَبسِمُ الفَجرِ لَو يَكونُ سَفيري |
دَولَتي بِالخُلودِ نيطَت لِأَنّي | لَم أَشِدها بِالعاجِ وَالبِرفيرِ |
قُل لَهُم نِمتُ في الحَياةِ عَلى الشَو | كِ مِراراً وَمَرَّةً في سَريري |
إِنَّ مَوتي عَلى الربابِ رُقادٌ | يَنتَهي بي إِلى صَباحٍ مُنيرِ |
يَرقُدُ الشاعِرُ الكَبيرُ مِراراً | إِنَّما السِرُّ في الرِقادِ الأَخيرِ |
قُل لَهُم تَحطِمونَ في الأَرضِ كَأسي | وَبِمَوتي تُقَدِّسونَ خُموري |
عَقَّ زَهري الوَرى وَقَد يَتَمَنّى | قَطرَةً لِلنُّفوسِ مِن إِكسيري |
زَهَرُ المَجدِ لا يُفَتَّحُ لِلشّ | اعِرِ إِلّا عَلى ضِفافِ القُبورِ |
نَم قَريراً فَسَوفَ يَأتي صَباحٌ | يَمهُدُ الروحُ لاِنقِلابٍ كَبيرِ |
وَغُصونُ الخَريفِ لا بُدَّ أَن تُم | سي غُصونَ الرَبيعِ بَعدَ شُهورِ |