يا نفسُ مالك والانين
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا نفسُ مالك والانين | تتألَّمين وتُؤلمين |
عذَّبتِ قلبي بالحَنين | وكَتَمتِهِ ما تقصُدين |
قد نامَ أربابُ الغرام | وتَدَثَّروا لُحفَ السَّلام |
وأبيتِ يا نفسُ المَنام | أفأنتِ وحدَكِ تشعُرين |
الليلُ مرَّ على سواك | أفما دهاهم ما دَهاك |
فلم التمرُّدُ والعِراك | ما سُورُ جسمي بالمَتين |
أطلقتِ نَوحَك للظلام | إيَّاكِ يَسمَعكِ الأنام |
فيَظُنَّ زَفرَتك النِّيام | بوقَ النُشورِ ليوم دِين |
يا نفس ما لك في اضطِراب | كفريسةٍ بين الذئاب |
هلا رجَعتِ إلى الصواب | وبدلتِ رَيبَكِ باليقين |
أحمامةٌ بين الرياح | قد ساقها القدرُ المُتاح |
فابتلَّ بالمطر الجَناح | يا نفسُ ما لكِ ترجُفين |
أوَما لحُزنِكِ من بَراح | حتى ولو أزِفَ الصَّباح |
يا ليت سرِّك لي مُباح | فأعي صَدى ما قد تَعِين |
أسَبَتكِ أرواحُ القَتام | فأرَتكِ ما خلفَ اللِّثام |
فطمِعتِ في ما لا يرام | يا نفسُ كم ذا تَطمَحين |
أصعِدتِ في رَكبِ النُّزوع | حتى وصلتِ إلى الرُّبوع |
فأتاكِ أمرٌ بالرُّجوع | أعلى هُبوطكِ تأسَفين |
أم شاقَك الذِّكرُ القديم | ذكرُ الحِمى قبلَ السَديم |
فوقَفتِ في سِجن الأدِيم | نحو الحِمى تتلفَّتين |
أَأَضعتِ فِكراً في الفَضاء | فتبعته فوقَ الهَواء |
فنأى وغلغلَ في العَلاء | فرَجَعتِ ثَكلى تَندُبين |
أسلكتِ في قُطر الخَيال | دَرباً يقودُ إلى المُحال |
فحطَطتِ رَحلكِ عند آل | يَمتصُّ رِيَّ الصادرين |
فنسيتِ قصدك والطِّلاب | ووقَفتِ يذهِلُك السَّراب |
وهرَقتِ فضلاتِ الوِطاب | طمعاً بماءٍ تأمُلِين |
حتى إذا اشتدَّ الأوام | والآلُ أسفر عن رُكام |
غيَّبتِ رأسك كالنَّعام | في رمل قلبي تَحفرين |
أعشِقتِ مثلَكِ في السماء | اختاً تَحِنُّ الى اللقاء |
فجلَستِ في سجنِ الرَّجاء | نحوَ الأعالي تَنظُرِين |
لوحتِ باليد والرِّداء | لتَراكِ لكن لا رَجاء |
لم تدرِ أنك في كِساء | قد حِيك من ماءٍ وطِين |
أَتحولُ دونكما حَياه | لو كان يبلوها الإله |
لبكى على بشَرٍ بَراه | رَحماً يُصارعُها الجنِين |
يا نفسُ أنت لك الخُلود | ومَصِيرُ جسمي للحود |
سَيَعيثُ عينَك فيه دود | فدعى له ما تَنخرِين |
يا نفس هل لك في الفِصال | فالجسمُ أعياه الوِصال |
حمَّلتِه ثقلَ الجِبال | ورَذَلتِه لا تَحفِلِين |
عطشٌ وجوعٌ واشتياق | اسفٌ وحزنٌ واحتراق |
يا ويحَ عيشي هل تُطاق | نَزَعاتُ نَفسٍ لا تِلِين |
والقلبُ وا أسفي عليه | كالطِفلِ يَبسط لي يَدَيه |
هلا مدَدتِ يداً اليه | كالأمَّهاتِ إلى البنين |
غذَّيته مُرَّ الفِطام | وحرمته ذَوقَ الغَرام |
وصنعتِ شيخاً من غُلام | يَحبو على بابِ السِّنِين |
فَغَدا كَحَفَّار القُبور | يَئِدُ العَواطفَ في الصُّدور |
ويَبيتُ يَهتِفُ بالثُّبور | يَشكو اليك وَتشمتِين |
أعمى تُطاعِنه الشُّجون | وجراحهُ صارت عُيون |
وبها يرى سُبلَ المَنُون | فيسير سَيرَ الظافرين |
حتى اذا اقتربَ المُراد | تُطلى رُؤاه بالسَّواد |
ويعود مكفوفاً يُقاد | برَنين عُكَّازِ الحَنين |
يتلمَّسُ النورَ البعيد | بأناملِ الفِكر الشريد |
ويسيلُ من فَمِه النَشيد | سَيلَ الدِماء من الطَعِين |
أرأيتَ بيتَ العَنكَبوت | وذُبابةً فيه تَموت |
رقَصت على نغَمِ السُكوت | ألَماً فلم يُغنِ الطَنِين |
فكذاك في شرَكِ الرَجاء | قلبي يلذُّ له الغِناء |
ما ذاكَ شَدواً بل رثاء | يبكي به الأمَلُ الدَفين |
يا نفسُ إن حُمَّ القَضا | ورَجَعتِ أنت إلى السما |
وعلى قميصك من دِما | قلبي فماذا تصنعين |
ضحَّيتِ قلبي للوُصول | وهرَعت تبغين المثُول |
فاذا دُعيتِ الى الدُخول | فبأيِّ عينٍ تَدخُلين |