شَعشِعِ الخَمرَ وهاتِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
شَعشِعِ الخَمرَ وهاتِ | الكأسَ من نارٍ ونور |
علَّني أعلَمُ بعضَ | العِلمِ ما مَعنى السُرور |
يا ندِيمي وانسَ ما | كان وما سوفَ يَصِير |
ودَعِ العَتبَ على الدَهرِ | فلا تَدري الدُهور |
قُم بنا نطلُبُ لَهواً | غيرَ عُودٍ وزُمُور |
نَتَأمل مَسرَحَ الدُنيا | بِطَرفٍ لا يَحُور |
تُبصِرُ الناسَ عليه | كألاعِيبٍ تَدور |
كلُّهُم يَلعَبُ دَوراً | غيرَ ما يَخفِي الضَمير |
إِنَّ ما لاحَ هو غيرُ | الذي خَلفَ السُتور |
يا نديمي إِنَّ بعضَ الناس | إِن جُستَ الأمور |
عالِمٌ يَبحَثُ طُولَ | العُمرِ ما بينَ السُطور |
جامعٌ في صَدرِهِ ما | ليسَ تَحويه الصُدور |
ما تُراه حازَ من | فَهمِ الأحاجي والجُذور |
آه هل يَحترِمُ الأعلامَ | دُودٌ في القُبور |
دَعكَ منه واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |
يا نديمي إِنَّ بعضَ الناسِ | إِن جُستَ الأمور |
ذو ثَراءٍ يَحسِبُ المالَ | غِنىً وَهو غُرور |
يَملِكُ المالَ ولكن | هو للمالِ أجِير |
دَعكَ منه واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |
يا نديمي إِنَّ بعض الناسِ | إِن جُستَ الأمور |
تاجرٌ يطلُبُ رِبحا | من بِضاعاتٍ ودُور |
يَضرِبُ الخَمسَ بسُدسٍ | وصحيحاً بكُسور |
يَسهَدُ الليلَ لِخَوفٍ | مِن مَتاعٍ أَن يَبُور |
ثُم يَنسى المَتجرَ الأسمى | لدى حَسبِ الأجور |
دَعكَ منه واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |
يا نديمي إِن بعضَ الناس | إِن جُستَ الأمور |
عاشقٌ يرقُبُ في | الظَلماءِ أنوارَ الخُدور |
همُّهُ أن يتَلهَّى | بِنحُورٍ وثُغور |
يقبلُ النفسَ على | مرأى قُدودٍ وخُصور |
ما تُراه يَرتجي من | وَصلِ غاداتٍ وحُور |
واذا ما شَبِعَ الجِسمُ | وأضناهُ الفُتور |
أنزِلَ الحُبُّ عن العَرشِ | إلى سُوقِ الفُجور |
دَعكَ منه واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |
يا نديمي إِنَّ بعضَ الناسِ | إِن جُستَ الأمور |
شاعرٌ مهنتهُ صَوغُ | القَوافي من شُعور |
يَعشَقُ الحُسنَ وَيبني | في عُلى الجَوِّ القُصور |
يَمتطي الشمسَ وَيَسعى | فوقَ هامات البُدور |
وهوَ في الأرضِ يَجُرُّ | الرِجلَ تُدميها الصُخور |
يأمُرُ الدَهرَ وَيَنهاهُ | بِبُهتانٍ وزُور |
دَعكَ منه واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |
يا نديمي إِنني أُبصِرُ | هل أنتَ بَصِير |
ولَعَمري قد يَرى | السكرانُ ما يُخفي الضَمير |
إِنَّ كلَّ الناس أشباهٌ | إذا زِحتَ السُتور |
ليسَ في الدُنيا غنيّ | ليسَ في الدنيا فَقِير |
لا عليمٌ لا جَهولٌ | لا عظِيمٌ لا حقِير |
كلُّها حالاتُ وقتٍ | كَغبوقٍ وبُكور |
كلُّها تَمثيلُ أدوارِ | على مَلهى العُصور |
فالغِنى والفَقرُ إِن | كنتَ غَنياً في الشُعور |
والنُهى والجَهلُ إِن | كنتَ عليماً في الصُدور |
يا نديمي نحنُ مثل الناس | إِن جُستَ الأمور |
كلُّنا أسرى حياةٍ | أذهلتنا عن نُشور |
نُضرِمُ النارَ ولا | نَعلَمُ ما تَحوي القُدور |
فاعطني الكأسَ وهاتِ | الخَمرَ من نارٍ ونُور |
ثم أيقظني فإِن لم | أَصحُ من سُكرِ الغُرور |
دَعكَ مني واقلِبِ | الصَفحةَ في سِفرِ الدُهور |