جَرَى الدمعُ حتى ليسَ في الجفنِ مَدمَعُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
جَرَى الدمعُ حتى ليسَ في الجفنِ مَدمَعُ | وقاسيتُ حتَّى ليس في الصبرِ مَطمَعُ |
وما أنا منيبكي ولكنَّه الهَوى | يريدُ سن الأُسدِ الخضوعَ فتخضعُ |
فلِلَّه قلبي ما أجلَّ اصطبارَهُ | وأثبتَهُ والسيفُ بالسيف يُقرعُ |
وللَّه قلبي ما أقلَّ احتماله | إذا ما نأى عنه الحبيبُ المودِّعُ |
إذا لاحَ لي سيفٌ من الخطبِ رُعتُه | وإن لاح لي سيفٌ من اللحظِ أجزَعُ |
وأقتادُ لَيثَ الغابِ واللَّيثُ مُخدِرٌ | ويقتادني الظبي الغريرُ فأتبَعُ |
وليلٍ أضلَّ الفجرُ فيه طريقَه | فلم يدرِ لما ضلَّ من أين يَطلُع |
سهرتُ به أرعى الكواكبَ والكَرَى | عَصِيٌّ على الأجفانِ والدمعُ طيّعُ |
أودُّ لو ان الطيفَ من بِزَورَةٍ | وكيفَ يزورُ الطيفُ مَن ليس يَهجَعُ |
لقد عشتُ دَهراً ناعمَ البالِ خالياً | من الهمّ لا أَشكُو ولا أتَوَجَعُ |
أروحُ ولي في مَعهدِ الغَي مَربَعٌ | وأغدُو ولي في مَسرحِ اللَّهو مرتَعُ |
فما زلتُ أبغي الحبَّ حتَّى وجدتُه | فلما أردتُ القُربَ كان التمنُّعُ |
فلم يبقَ لي عن ذلك الحبِّ مهرَبٌ | ولم يَبقَ لي في ذلك القُربِ مَطمَعُ |
كأني في جوِّ الصبابةِ ريشةٌ | بأيدي السوافي مالها الدهرُ مَوقِعُ |
كأني في بحر الهُيام سفينةٌ | أحاطَ بها مَوجُ الردى المُتَدَفِّع |
كأني في بيداءَ دهماءَ مَجهَلٌ | تضلُّ رُخاءٌ في دُجاها وزَعزَعُ |
فلا أنا فيها واجدٌ من يَدُلُّني | ولا نجمها يبدو ولا البرقُ يَلمُع |
فمهلاً رويداً أيها اللائم الذي | يُجرِّعني في لومِه ما يُجرِّعُ |
نَصحتَ فلم أسمَع وقلتَ فلم أُطِع | فما نُصحُ حِبٍّ لا يُطيعُ ويَسمَعُ |
فيا حُبَّ هذا القولُ لو كان مُجدِياً | ويا نِعم ذاك النُصحُ لو كان ينفَعُ |
قضى اللَه أن لا رأى في الحبِّ لامرئٍ | وذاك قضاءٌ نافذٌ ليس يُدفع |
مررتُ على الدّار التي خَفَّ أَهلُها | وطالَ بِلاها فهي بَيداءُ بَلقَعُ |
معاهدُ كانت آهلاتٍ وكانَ لي | مَصِيفٌ تَقضَّى في رُبَاهَا ومَربع |
فيا ليتَ شِعري هل يعُودَنَّ عَيشُنَا | بمعهدها والشَّملُ بالشَّملِ يُجمع |
فَتُقضى لباناتٌ وتُطفَى لواعجٌ | وتَبرُدَ أكبادٌ وتَنضُبَ أدمُع |
فما أنسَ م الأشياءِ لا أنسَ ليلةً | تجشمتُ فيها الهولَ والهولُ مُفزِع |
ولا مؤنسٌ إلا ظلامٌ ووحدةٌ | ولا مسعدٌ إلا فؤادٌ مُروع |
ولا صاحبٌ إلا المطيةُ حولَها | ذئابٌ تبارى في الفلاةِ وأضبع |
ولا عين إلا النجمُ ينظرُ باهتاً | ويعجب لي ماذا بنفسي أصنع |
إذا ما تشكَّت من كلالٍ مطيتي | وقد كلمتها ألسن السوط تُسرِع |
أسيرُ بها سيرَ الصحاب كأنني | بأذرعُها عَرضَ الفِدادِ أُذَرِّعُ |
إلى أن تنورتُ الخيامَ ولاح لي | ضياءٌ بدا من جانبِ الحيّ يَسطَعُ |
فأقدَمتُ نحو الحيِّ والحيُّ هاجعٌ | وخُضتُ سوادَ القومِ والقومُ صُرَّع |
وما كنتُ أدرى قبلَ ذلك خِدرَها | ولكن هَدَاني نشرُها المتضوِّعُ |
فبتُّ وباتَت يعلمُ اللَه لم يكن | سِوى أُذنٍ تُصغِى وعينٍ تَمتَّعُ |
نخالُ دَوىَّ الرِّيح في الجوِّ واشياً | بِنَا وضياءَ البرقِ عيناً فَنَفزَعُ |
وما عينَ إلا خوفُنا وارتياعُنا | ولا ناظرٌ يرنو ولا أذنَ تسمع |
وأعذبُ وِردٍ راقَ ما كان نَيلُه | عزيزاً وأحلى القُربِ قربٌ مُمَنَّع |
فكانت برغم الدهر أحسنَ ليلةٍ | رأَيتُ لعمري بل هي العُمر أجمعُ |
وما راعنا إلا هديرُ حمامةٍ | على فَنَنٍ عند الصباح تُرجِّع |
فقمتُ ولم تعلق بذيلي ريبةٌ | ولا كان إلا ما يشاءُ الترفُّعُ |
وودّعتُها والحزنُ يَغلِبُ صبرَنا | وأحشاؤُنا من حَسرةِ تَتَقطَّعُ |
فَقالَت أهذا آخرُ العهد بَينَنا | وهل لِتلاقِينا مَعادٌ ومَرجعُ |
فقلتُ ثِقي بالله يا فوزُ إِنَّها | سحابةُ صَيفٍ عن قَليل تَقشَّع |
وسرتُ وقلبي في الخِيامِ مُخلَّفٌ | وَلِي نحو قلبي والخيامِ تطلُّع |
حَنانيكَ رفقاً أيها الدهر واتئد | فحسبِي ما ألقى وما أتجرّعُ |
ورُحماكَ بي فالسيلُ قد بلغَ الزُّبى | ولم يبقَ في قوسِ التصبرِ منزعُ |
على أنني أصبحتُ لا مُتخوفاً | مُلِماً ولا إِن نالني الرزءُ أجزعُ |
قد اعتصمت بالصبر نفسي وفوضت | إلى الله ما يُعطى الزمانُ ويمنَعُ |
وأمسيتُ لا أخشى الخطوبَ ووقعَها | ولو أنها سُمُّ الأساودِ مَنقَعُ |
فقد بِتَّ جاراً للإمام وأنه | أعز بَنى الدنيا جِواراً وأمنَعُ |
سمعتُ بهِ دهراً فلما أَتيتُه | رأَيتُ بعيني فوق ما كنت أسمع |
وشاهدتُ وضاح الأساريرِ أروعاً | على وجهه نورٌ من اللَه يَسطع |
تَزاحمُ أقدامُ العُفاةِ ببابه | فلا هُوَ محجوبٌ ولا الفضل يمنعُ |
إذا سرتَ فالأبصارُ نحوكَ حُوَّم | وإن قُلتَ فالأعناقُ حَولَكَ تَخضَعُ |
وأضحى بِكَ الإِفتاءُ يختالُ عِزَّةً | فما أنت إلا التاجُ منه مُرصَّع |
أمولاي هذا الدهرُ وَالى صُرُوفَه | على فأنجد أو أشر كيفَ أصنعُ |
فما أنا إلا غَرسُ نعمتكَ الذي | يُغاديهِ غَيثٌ من نَداكَ فيُمرعُ |
فإن شِئتَ فالفضلُ الذي أنت أهله | وإلا فإني في الأنام مُضَيّع |