أودى بي الحزنُ واغتال الجوى جلدي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أودى بي الحزنُ واغتال الجوى جلدي | وفرقَ الشجوُ بينَ الروحِ والجَسَدِ |
واستهدَفَتني صُروفُ الدهر راميةً | تُصوبُ النبلَ نحوَ القلبِ والكبدِ |
ما لِلَّيالي إذا سلت صوارِمَها | بين الخلائِق لا تبقى على أحدِ |
أبيتَ يا دهرُ سيراً للرشادِ وأَن | تجرى أموركَ في الدنيا على سَدَدِ |
أليسَ يُرضِيكَ أن الناسَ راضيةٌ | بِما رضيتَ لهم من عيشك النكِد |
مُستَسلِمونَ لما لو حَلَّ من أُحُدٍ | في شُعبتَيه لَهُدَّت شُعبتا أُحُدِ |
رُحماكَ يا دَهرُ بعضَ الإرتفاق بنا | أَسرفت في ظُلمنا رُحمَاكَ فاقتصِد |
يا فاتِكاتِ المنايا هل لكم تِرةٌ | لديَّ أم لا فهل للفتك من قودِ |
روعتِ مني جريئاً غيرَ ذي فَرَقٍ | واقتدتِ مني عزيزاً غيرَ مُضطهد |
ما كان عهدُكَ يا قلبي الضعيفَ إذا | نَبا بكَ الخطبُ أن تبقى على كَمدِ |
أكلَّما تبتغي عزماً ترى شَططاً | وكيفما رُمتَ صَبراً لم تكد تَجِد |
لطالما كنت قِرناً للنوائِبِ تل | قاها اعتسافاً كلقيا الأسدِ للنقدِ |
ما فل غربك إلا حادِثٌ جَللٌ | ثَنى جماحك قَسراً غيرَ مُتئِدِ |
هل مر ناعٍ لإبراهيمَ فاشتعلَت | نيرانُ حُزنٍ على أحشاك مُتقدِ |
فقدتُ لُبى لما أن نأى ودنا | فيا لكَ اللَهُ من ناءٍ ومُبتَعِدِ |
فالحُزنُ مُضطرِمٌ في قَلبِ مضطربٍ | والقلبُ مُرتَعِبٌ في جسمِ مُرتَعِدِ |
جاوزتَ يا يوم عاشُوراءَ حدَّك في | خَطبٍ تركتَ به العلياء في أَودِ |
خطبٌ تكادُ له الأفلاك تَسقُط من | جوانب الجوِّ فوقَ التربِ والوَهَدِ |
حُزناً على رجلٍ كانت تدينُ له ال | آمالُ تبغى لديه غايةَ الرشدِ |
حُزناً على زينة الدنيا ورنقها | لما هوى بدرُهُ الوضاءُ عن صُعُدِ |
طَلقِ المحيا محيى النازلين به | سهلِ الخليقةِ صافي القلبِ والخلَدِ |
تقوَّضَ المجدُ يومَ انقضَّ كوكبه | مصدعَ الصرحِ والأركانِ والعُمُدِ |
فليأسفِ العِلمُ ولتبكيهِ أُسرته | وليهنأ الجهلُ وليشمت أولو الحَسَدِ |
يا راحلاً غيرَ مظنونِ الرحيلِ ولم | يَخطر رَدَاهُ على فكرٍ ولم يَردِ |
من للمروءة والمعروفِ بعدَك من | للحلم من للتقى والبرِّ والرشَدِ |
من للمنابر يعلوها فيصدُعُ بال | حقِّ القَويم فيهدى كل ذي مَيَدِ |
لأقضينَ حياتي كلها كمداً | مُشَتَّتَ الشملِ حتَّى آخِرِ الأَبَدِ |
وأَبذُلَنَّ مَصُونَ الدمع مُطَّرِداً | وَجداً عليكَ وحُزناً فيكَ لم يَبِدِ |
أبكى عليك لِدارٍ لا أَنيسَ بها | تكُونُ فيها غريبَ الأَهلِ والوَلدِ |
جاوَرتَ رَبَّكَ إبراهيمُ مُطَّرِحاً | أخاك أحمَدَ يَشكُو قِلَّة العَضُدِ |
يقولُ والدمع في خديه منتظمٌ | كالعقد منتثرٌ كاللؤلؤ البَدَد |
أخي قد كنت لي عوناً أشد به | أزري وكنت لنصري خيرَ مُعتَمدِ |
فاليومَ أصبحتَ بعد الأُنسِ منفرداً | وكنتَ لي عُدّةً من أحسَنِ العُدَدِ |
أخي قد كنت أرجو أن تُغيبني | تحت الترابِ ولكن خابَ مُعتَقدي |
وأخلف اللَه ذاك الظن إذ وثبت | إليكَ حُمرُ المنايا وثبة الأسدِ |
أخي قدمت روحي أفتديك بها | من الممات ولكن ليس ذا بيدي |
أخي هذا قضاءٌ لا مر له | أخي والموت للإنسان بالرصَدِ |
يا ليتَ شعري إن ناديتُ قبركَ هَل | تُجيبني بعد طولِ النأي والبَعَدِ |
كلا فما أنت إلا أعظمٌ دَرَست | أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ |
سُقِيتَ يا قَبرَهُ غيثَ السماءِ كما | تَسقيك أعيُنُنا من دَمعها البَدَدِ |
يا أرغدَ اللَه عيشاً حلَّ فيه كَما | كانَت شمائِلُه الحسناءُ في رَغَدِ |
وحلَّ من روضةِ الجنَّاتِ يانِعَها | مُخَلَّداً في جوارِ الواحدِ الصّمد |