أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ | لِم لَم أَمُت حينَ صارَتِ الظُعُنُ |
أَطالَ عُمرِيَ أَم مُدَّ في أَجَلي | أَم لَيسَ في الظاعِنينَ لي شَجَنُ |
أَم لَم يَبِن مَن هَوَيتُ مُرتَحِلاً | أَم لَم تَوَحَّش مِن بَعدِهِ الدِمَنُ |
يا لَيتَ ماءَ الفُراتِ يُخبِرُنا | أَينَ تَوَلَّت بِأَهلِها السُفُنُ |
ما أَحسَنَ المَوتَ عِندَ فُرقَتِهِم | وَأَقبَحَ العَيشَ بَعدَ ما ظَعَنوا |
وَيحَ المُحِبّينَ كَيفَ أَرحَمُهُم | لَقَد شَقوا في طِلابِهِم وَعَنوا |
هَذي الحَماماتُ إِن بَكَت وَدَعَت | أَسعَدَها في بُكائِها الفَنَنُ |
فَمَن عَلى صَبوَتي يُساعِدُني | إِذا جَفاني الحَبيبُ وَالسَكَنُ |
صَبَرتُ لِلحُبِّ إِذ بُليتُ بِهِ | وَماتَ مِنّي السِرارُ وَالعَلَنُ |
يا مُبدِعَ الذَنبِ لي لِيَظلِمَني | هَجرُكَ لي في الذُنوبِ مُمتَحِنُ |
مالي مِن مِنَّةٍ فَأَشكُرَها | عِندَكَ لا بَل عِندي لَكَ المِنَنُ |
جَهِلتَ وَصلي فَلَستَ تَعرِفُهُ | وَأَنتَ بِالهَجرِ عالِمٌ فَطِنُ |
حارَبَني بَعدَكَ السُرورُ كَما | صالَحَني عِندَ فَقدِكَ الحَزَنُ |
أَعانَكَ الطَرفُ وَالفُؤادُ عَلى | روحي وَرَوحي عَلَىَّ يَعتَوِنُ |
مِمّا كَساني الهَوى فَكِسوَتُهُ | لي أَبَداً ما لَبِستُها كَفَنُ |
أَوهَنَني حُبُّ مَن شُغِفتُ بِهِ | حَتّى بَراني وَشَفَّني الوَهنُ |
عَذَّبَني حُبُّ طَفلَةٍ عَرَضَت | فيها وَفي حُبِّها لِيَ الفِتَنُ |
إِذا دَنَت لِلضَجيعِ لَذَّ لَهُ | مِنها اِعتِناقٌ وَلَذَّ مُحتَضَنُ |
كَحلاءُ لَم تَكتَحِل بِكاحِلَةٍ | وَسنانَةُ الطَرفِ ما بِها وَسَنُ |
فَفي فُؤادِيَ لِحُبِّها غُصُنٌ | في كُلِّ حينٍ يُورِقُ الغُصُنُ |
قيلَ لَها إِنَّهُ أَخو كَلَفٍ | بِحُبِّكُم هائِمٌ وَمُفتَتِنُ |
فَأَعرَضَت لِلصُدودِ قائِلَةً | يَقولُ ما شاءَ شاعِرٌ لَسِنُ |
ما كانَ في ما مَضى بِمُؤتَمَنٍ | عَلى هَوانا فَكَيفَ يُؤتَمَنُ |
حُبّانِ غَضّانِ في الفُؤادِ لَها | فَمِنهُما ظاهِرٌ وَمُندَفِنٌ |
أَوطَنَ يا سِحرُ حُبُّكُم كَبِدي | فَلَيسَ لِلحُبِّ غَيرَها وَطَنُ |
سَمِعتِ فينا مَقالَ ذي حَسَدٍ | لَمّا أَتاكُم بِهِ هَنٌ وَهَنُ |
إِن كانَ هِجرانُكُم يَطيبُ لَكُم | فَلَيسَ لِلوَصلِ عِندَنا ثَمَنُ |
خَلَعتُ في الحُبِّ ماجِناً رَسَنى | كَذاكَ في الحُبِّ يُخلَعُ الرَسَنُ |
وا بِأَبي مَن يَقولُ لي بِأَبي | وَمَن فُؤادي لَدَيهِ مُرتَهَنُ |
يَطلُبُني حُبُّهُ لِيَقتُلَني | وَلَيسَ بَيني وَبَينَهُ إِحَنُ |
وَكَم مِن أَشياءَ قَد مَضَت سُنَناً | كَما جَرَت في القَبائِلِ السُنَنُ |
وَقائِلٍ لَستَ بِالمُحِبِّ وَلَو | كُنتَ مُحِبّاً هَزَلتَ مُذ زَمَنُ |
فَقُلتُ رَوحي مُكاتِمٌ جَسَدي | حُبِّيَ وَالحُبُّ فيهِ مُختَزَنُ |
شَفَّ الهَوى مُهجَتي وَعَذَّبَها | فَلَيسَ لي مُهجَةٌ وَلا بَدَنُ |
أَحَبَّ قَلبي وَما دَرى جَسَدي | وَلَو دَرى لَم يُقِم بِهِ السِمَنُ |
لَو وَزَنَ العاشِقونَ حُبَّهُمُ | لَكانَ حُبّي بِحُبِّهِم يَزِنُ |
لا عَيبَ إِن كُنتُ ماجِناً غَزِلاً | فَقَبلِيَ الأَوَّلونَ ما مَجَنوا |