أنا كلـَّما نظرتُ إلى الهاوية |
رأيتُ سهامي تتعثـَّرُ بآثامِها |
كأنني ملائكة ينتحرونَ ببعضهم |
ولم يبـْقَ منِّي سوى شركاء في الهاوية. |
أنا كلـَّما نظرْتُ في الهاوية |
تهيَّجتْ حملاني بنداءِ نارٍ ضريرة |
لكأنـَّـني أمشي عَلَىْ صمـْتي، |
بينما خيوطٌ من ظلالٍ مدْفونة، |
تتشاجر فيما بينها كلـَّما تفتـَّتَ |
تحتَ أقدامي، |
حجر الهاوية. |
لكثرة مَنْ رثيتُ ـ في الطريقِ إلى الهاوية ـ |
نمتُ مع السَّماء، |
وتمشَّيتُ في النارِ ومعي قبلاتُ كثيرةٌ. |
وصار أصدقائي |
ينفلتون من المشاجراتِ جريحاً جريحاً |
ولمعانُ أفواههم يتخبَّطـُ في كلِّ الجهات. |
روائحهم بلا خرائط، |
كأنـَّهم يخلطونَ حبـْرَهم بالأدوية |
ويرْسلونَ حقائبَهم بالبريدِ أو القواربِ، |
وليسَ لديهم ما يستحقـُّونه! |
قبْـلَ هذا وبعدَه |
الليلُ مأهولٌ بأشجارٍ عزْبـاءَ، |
وقوافلـُه تجرُّ أسرارَها عَلَىْ الأرْض. |
صورةُ مـَنْ هذهِ الملوَّنـة بآلامٍ وساعتـُها عاطلة؟ |
لعلـَّها خيانة تـُشرقُ في الماضي، |
وعَلَىْ فمي منها تفـَّاحة، |
وأنا نائمٌ في الأنقاض. |
* |
أنا مسـْرعُ في مواجهةِ النـَّهار الذي يعدُّ لي وليمتـَه |
غير منتبهٍ لسحَّاب بنطالي الذي يثرثرُ منذ الصَّباح! |
كأنـَّـني أخـْلقُ من نسياني خجلاً |
لمظليين يهاجمون الجنـَّة منذ عدَّة قرون |
وأنا كلـَّما نظرت في الهاوية، |
ارتعشت آباري في نومها |
وحلـَّقتْ من عيوني قططٌ مقوَّسة الظهْـر |
كأنـَّها تودِّعُ السَّماء |
وتشمُّ رائحة طائراتٍ في المستقبل. |
* |
فلماذا أوصيتُ عَلَىْ نظـَّارة طبية، |
لعيوني التي تتكاثر في الغابة، |
هل أنا العازفُ الأخيرُ تحتَ نوافذك المغلقة |
أيتها الهاوية؟ |
* |
قـُلتُ للصحـْراء وكانت كثيرينَ، |
لا تقـْربوا الأضرحة بآثامي |
أنا شريككم في الجنـَّةِ الممحوَّة، |
قلتُ للنهْـر، وكانَ هارباً من الجنـَّةِ ايضاً: |
مَنيُّ العبيدِ أسودُ! |
وما البياضُ سوى حبلٍ سريٍّ لتهريب المستقبل. |
* |
أنا كلـَّما نظرتُ في الهاوية |
وجدتـُني واقفاً في العرْس، |
بينما شخصٌ يحاولُ الظهورَ معي في الصورة، |
وبعْدَ عشرينَ عاماَ وأكثر، |
أجلسُ، عريساً، كأنـَّـني خنـْتُ وقوفي، |
وحولي مسافرونَ إلى بلدانٍ شتـَّى، |
تهْـدرُ محرِّكاتُ طائراتهم أمام باب الصالة، |
كأنـَّـني بيـْنَ سفرتين، |
أختارُ وقتـاً خارجَ الأمكنة. |
* |
أوقظُ ملابسي |
وأمتعتي، |
وأنا مهدَّدٌ بآثامي التي |
ترقدُ خلفً مرْتفعاتِ هذا الفجر، |
لا شمـْسَ إلاَّ وسَحَرةٌ حرَّضوها عَلَىْ دفعي إلى الهاوية. |
أنا محاربٌ ضائعٌ في تضاريس ظلامهِ الخالد، |
أنا الرجلُ البعيد أضعُ أيـَّامي في الماء. |
وأتعقـَّبُ روائحَ الغرْقـى وأخَلـِّدُ يأسَ اللصوصِ |
وهمْ يتعثـَّرونَ بآثارهِم، |
كأطفالٍ، |
في أولمبيادِ الهروب من السَّماء، |
بقواربَ في كتاب. |
بينما الأرْضُ ليستْ أكيدةً |
حـُفرَةٌ نساها اللهُ قبلَ أن يبـْرَحَ |
طائراً إلى بيتِه في النقوش المـُرْتعشة. |
* |
وها أنا بعْدَ مُنتَصَفِ الليلِ، |
أعودُ بزوجتي، إلى المنزل أيضاً، |
وحيدين معَ الله العائد مِثلـَنا |
مُتعقِّبين ثرثرةَ الأثر. |
* |
أنا كلكامش الهاربُ من ثأرِ الحَيَاْةِ |
إلى حَيَاْةٍ غيـْر مُعنـْونة. |
أنا محمدُ الغائبُ |
أدخلُ المقهى ـ في ظهيرة الشبهات ـ بقمصان التشابيه. |
أنا أميرٌ آشوريٌّ مدفونٌ، مع أسلحتي، في شرقِ دجلةَ |
بينما يسافرُ رأسي إلى أستراليا! |
أنا سعادةٌ مقصوصة الشَّعر وأعيادها طويلة وسوداء! |
وها أنا أنظرُ في الهاوية، |
أرمي بنردي |
فرْصَةً أخيرةً لانبعاثِ الخسائر، |
هازَّاً كتفيَّ من الضحكِ، |
ومتكئاً عَلَىْ أحدٍ يحاول الظهورَ معي في الصورة. |