حنة مشتاق
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا | علام و فيما تستحثّ المآقيا ؟ |
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة | و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا |
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا | فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا |
دعوت لربّي أن دعاني لائم | و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا |
لقد أرخص العذّال عندي قولهم | إذا همّت العيان أرخصت غاليا |
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى | و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا |
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب | و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا |
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا | مهامه لا تلقى بها الريح هاديا ؟ |
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى | نهارا ، و يطوي ليلة الخوف طاويا |
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا | فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا |
فيا من لقلب لا تنام همومه | و يا من لعين لا تنام اللّياليا |
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني | بأحداثها ، ما للّيالي و ما ليا |
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه | فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا |
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا | فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا |
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي | كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا |
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى | و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا |
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى | لذيذ ، و لكن كان كالحلم فانيا |
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى | حنين جاءه الشّوق داعيا |
و أذكره ذكرى العجوز شبابها | و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا |
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها | جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا |
خليليّ أعوام السرور دقائق | و أيّامه كادت تكون ثوانيا |
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى | و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا |
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها | فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا |
ليالي لا هند تصدّق واشيا | و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا |
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا | سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا |
و دار حديث الحبّ بيني و بينها | فطورا مناجاة و طورا تشاكيا |
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها | لآليء غنّاها الرواة قوافيا ؟ |
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى | فلست تراني بعده الدهر لاهيا |
شئمت لذاذات الحياة جميعها | و لو رضيت هند سئمت شبابيا |
سلام على هند و إن فات مسمعي | سلام التي أهدي إليها سلاميا |
ترى عندها أنّي على العهد ثابت | و إن يك هذا البين أوهى عظاميا |
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى | و لكنّني خلودي نائيا |