السحبُ تركضُ في الفضاء الرّحب ركض الخائفين |
و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين |
و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين |
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد |
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟ |
سلمى ... بماذا تحلمين ؟ |
* |
أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم ؟ |
أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟ |
أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟ |
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما |
أظلالها في ناظريك |
تنمّ ، يا سلمى ، عليك |
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق |
يرجو صديقاً في الفـلاة ، وأين في القفر الصديق |
يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق |
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام |
لا يستطيع الانتصار |
و لا يطيق الانكسار |
* |
هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك |
فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك |
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك |
و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب |
مثل اكتئاب العاشقين |
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟ |
* |
بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟ |
أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟ |
أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟ |
أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى |
و الكوخ كالقصر المكين |
و الشّوك مثل الياسمين |
* |
لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع |
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع |
إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع |
لكن لماذا تجزعين على النهار و للدّجى |
أحلامه و رغائبه |
و سماؤه و كواكبه ؟ |
* |
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها |
لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها |
كلّا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها |
ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها |
و العندليب صداحه |
لا ظفره و جناحه |
* |
فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح |
واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح |
و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح |
من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان |
لا تبصرين به الغدير |
و لا يلذّ لك الخرير |
* |
لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا |
و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى |
مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى |
ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته |
أزهاره لا تذبل |
و نجومه لا تأفل |
* |
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات |
إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة |
فدعي الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاة |
قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا |
فيه البشاشة و البهاء |
ليكن كذلك في المساء |