(الرخصة في العرايا وبيع أصول والثمار) من بلوغ المرام
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
مختصر الكلام على بلوغ المرام (بابُ الرُّخْصَةِ في العَرَايَا وَبَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)
811- عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في العرايا: أن تباع بخرصها كيلاً؛ متفق عليه، ولمسلم: رخَّص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا.
في حديث جابر عند البخاري: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر حتى يطيب، ولا يُباع شيء منه إلا بالدنانير والدراهم إلا العرايا.
812- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في بيع العرايا بخرصها، فيما دون خمسة أوسُق، أو في خمسة أوسق؛ متفق عليه.
العرايا: جمع عرية، وهي النخلة، وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة، واتَّفق الجمهور على جواز بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصًا فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابض، وأخرج الشافعي من حديث زيد بن ثابت: أنه سمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبًا، ويأكلون مع الناس، وعندهم فضول قُوتِهم من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.
813- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع؛ متفق عليه، وفي رواية: كان إذا سئل عن صلاحها؟ قال: ((حتى تذهب عاهته)).
الحديث دليل على النهي عن بيع الثمار قبل بَدْو صلاحها، وقال البخاري: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وقال الليث عن أبي الزناد: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة أنه حدَّثه عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضَر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مرض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَما كثُرت عنده الخصومة في ذلك: ((فإما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة، يشير بها لكثرة خصومتهم))، قال في "سُبل السلام": "وأفهم قوله: كالمشورة، أن النهي للتنزيه".
814- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل: وما زهوها؟ قال: ((تحمار، وتصفار))؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري.
قال الخطابي: قوله: ((تحمار، وتصفار))، لم يُرِد بذلك اللون الخالص من الحُمرة والصُّفرة، إنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة.
815- وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد؛ رواه الخمسة، إلا النسائي وصحَّحه ابن حبان والحاكم.
فيه دليل على جواز بيع السنبل المشتد مطلقًا، وهو قول أكثر العلماء.
816- وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو بعتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟))؛ رواه مسلم، وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح.
قال البخاري - رحمه الله - في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، ثم أصابته عاهة، فهو من البائع: حدَّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي، فقيل وما تُزهي؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه؟، وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: لو أن رجلاً ابتاع ثمرًا قبل أن يبدوَ صلاحه، ثم أصابته عاهة، كان ما أصابه على ربه، أخبرني سالم بن عبدالله عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تتبايعو الثمرة حتى يبدو صلاحها، ولا تبيعوا الثمر بالثمر))؛ انتهى.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) إلى آخره، قال الجاحظ: واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يشتري بعد بدو صلاحه ثم تُصيبه جائحة، فقال مالك: يضع عنه الثُّلث، وقال أحمد وأبو عبيد: يضع الجميع، وقال الشافعي والليث والكوفيون: لا يرجع على البائع بشيء، وقالوا: إنما ورَد وضْع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بَدْو صلاحها بغير شرط القطْع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس، والله أعلم؛ انتهى.
قال في المقنع: وإن تلفت بجائحة من السماء، رجع على البائع، وعنه إن أتلفت الثُّلث فصاعدًا، ضمنه البائع، وإلاَّ فلا؛ انتهى.
قال في "سبل السلام": وقد اختلف العلماء في وضع الجوائح، فذهب الأقل إلى أن الجائحة إذا أصابت الثمر جميعه أن يوضع الثمن جميعه، وأن المتلف من مال البائع عملاً بظاهر الحديث، وذهب الأكثر إلى أن المتلف من مال المشتري، وأنه لا وضع لأجل الجائحة إلا ندبًا، واحتجوا له بحديث أبي سعيد: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يتصدَّقوا على الذي أُصيب في ثمار ابتاعها.
817- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع))؛ متفق عليه.
الحديث دليل على أن الثمرة بعد التلقيح للبائع، ومفهومه أنها قبله للمشتري، وهو قول الجمهور، وفيه دليل على أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع.