الفردوس الضائع
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما زال يمشي في الأمو بفكره | حتّى تمشّى النّوم في الأجفان |
وكما يرى الوسنان راء كأنّه | في النّعش ميت هامد الجثمان |
وعلى جوانب نعشه صفّان | من جند ((ألبرت)) الرّفيع الشّان |
يبكونه لا شامتين بموته | ليس الشّماتة عادة الشجعان |
ورأى حواليه جماهير الورى | تستعلرض الملحود في الأكفان |
وكأنّما كره اختلاط رفاته | في الأرض بالضّعفاء والعبدان |
أو أنّ مرأى الحشد أقلق روحه | في جسمه فهفا إلى الطّيران |
ومن العجائب في كرى أنّ الفتى | يغدو به وكأنّه شخصان |
... | |
أمّ السّماء وقد توهّم أنّه | لا شكّ والجها بلا استئذان |
ما زال يرقى صاعدا حتى انتهى | حيث الغناء مثالث ومثاني |
فرمى بناظره فأبصر بابها | فمشى إليه مشية العجلان |
وأقام يفرعه فأقبل ((بطرس)) | ذو الأمر في الفردوس والسّلطان |
وأدار فيه لحظه فإذا به | ضيف، ولكن ليس كالضّيفان |
ما جاءنا بك؟ صاح ((بطرس)) غاضبا | يا شرّ إنسان على الإنسان |
إذهب فما لك في السّما من موضع | يا أيّها الرّجل الأثيم الجاني |
ثمّ انثنى للباب يحكم سدّه | والضّيف لم ينبس ببنت لسان |
ما ذي الفظاظة ؟ قال((وليم)) وانثنى | لليأس كالمصفود في الأقرا |
وبمثل لمح الطّرف أسرع هابطا | نحو الجحيم يقول ذاك مكاني |
هيهات يحرم من جهنّم عائد | من جانب الفرّدوس بالحرمان |
حتّى إذا ما صار دون رتاجها | سميع ((الزّعيم)) يصيح بالأعوان |
أبني جهنّم أوصدوا أبوابكم | واستعصموا كالطّير بالأوكان |
كونوا على حذر ففي هذا الضّحى | يأتي إلينا قيصر الألمان |
إن كنتم لم تعلرفوه فإنّه | رجل بلا قلب ولا وجدان |
أخشى على أخلاقكم إن زاركم | وهي الحسان تصير غير حسان |
إيّاكم أن تسمحوا بدخوله | فدخوله خطر على السّكان |
أمري لكم أصدرته فخذوا به | وحذار ثمّ حذار من عصياني |
ماذا تراني؟ صاح ((وليم)) باكيا | حتّى الأبالس لا تحبّ تراني |
ابليس ، يا شيخ الزّبانية الألى | كانوا لأخداني من الأخدان |
رحماك بي ،فاللّيل قاس برده | والهول يملأ ناظري وجناني |
بجهنّم، بالسّاكني حجراتها | بمواقد النّيران ، بالنّيران |
وبكلّ شيطان مريد ماكر | وبكلّ تابع مارد شيطان |
مر ينفتح باب الجحيم فإنّني | قد كاد يجمد للصقيع لساني |
يا ليت شعري أين أذهب بعدما | سدّ السّبيل وأوصد البابان |
مر لي بزاوية أزجّ بمهجتي | فيها، وإن تك من حميم آن |
هلاّ قبلت تضرّعي؟ فأجابه | إبليس، وهو يروع كالسّرحان |
لو كنت أعلم ما سكتّ فلا تزد | لا أرى للحيران في الحيران |
عبثا تحاول أن تصادف عندنا | نزلا، فهذا ليس بالإمكان |
لا تذكرنّ ليّ الحنان وما جرى | مجراه، إني قد قتلت حناني |
لا يدخلنّ جهنّما ذو مطمع | بالمجد أو بالأصفر الرّنّان |
إن كنت تشتاق الإقامة في اللّظى | فالنّار والكبريت كلّ مكان |
فاجمعهما واصنع لنفسك منهما | ولمن تحبّهم جحيما ثاني |
وهنا تقهقر ((وليم)) ثمّ اختفى | ما بين ليل حالك ودخان |
فأفاق مذعورا يقلّب طرفه | للرّعب في الأبواب والحيطان |
ويقول لا أنساك يا حلمي ولو | نسجت علّي عناكب النّسيان |
ما راعني أنّي طردت من السّما | أنا قانط من رحمة الدّيّان |
لكنّ طردي من جهنّم، إنّه | ما دار في خلدي ولا حسباني |