الشاعر و الأمة
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خير ما يكتبه ذو مرقم | قصة فيها لقوم تذكره |
... | |
كان في ماضي اللّيالي أمّة | خلع العزّ عليها حبره |
يجد النّازل في أكفانها | أوجها ضاحكة مستبشرة |
و يسير الطرف من أرباضها | في مغان حاليات نضره |
لم يقس شعب إلى أمجادها | مجده الباذج إلاّ استصغره |
همّها في العلم تعلي شأنه | بينها ، و الجهل تمحو أثره |
ما تغيب الشمس إلاّ أطلعت | للورى محمده أو مأثره |
فتمنّى الصّبح تغدو شمسه | و تمنّى اللّيل تغدو قمره |
و مشى الدّهر إليها طائعا | فمشت تائهة مفتخره |
... | |
كان فيها ملك ذو فطنة | حازم يصفح عند المقدره |
بعشق الأمر الذي تعشقه | فاذا ما استنكرته استنكره |
بلغت في عهده مرتبة | لم تنلها أمّة أو جمهرة |
فاذا أعطت ضعيفا موثقا | أشفقت أعداؤه أن تخفره |
و إذا حاربها طاغية | كانت الظاّفرة المنتصره |
مات عنها ، فأقامت ملكا | طائش الرأي كثير الثّرثره |
حوله عصبة سوء ، كلّما | جاء إدّا أقبلت معتذره |
حسّنت في عينيه آثامه | و إليه نفسه المستكبره |
و تمادى القوم في غفلتهم | فتمادى في الملاهي المنكره |
زحزح الأمّة عن مركزها | و طوى رايتها المنتشره |
و رأت فيها اللّيالي مقتلا | فرمتها فأصابت مدبره |
فهوت عن عرشها منعفره | مثلما ترمي بسهم قبّره |
... | |
كان فيها شاعر مشتهر | ذو قواف بينها مشتهره |
كلّما هزّت يداه وترا | هزّ من كلّ فؤاد وتره |
تعس الحظّ ، و هل من | شاعر في أمّة محتضره ؟ |
يقرأ النّاظر في مقلته | ثورة طاهرة مستتره |
ما يراه النّاس إلاّ واقفا | في مغاني قومه المندثر |
حائرا كالريّح في أطلالها | باكيا و السّحب المنهمره |
و هي في أهوائها لاهية | و كذلك الأمة المستهتره |
ما رأت مهجته المنفطره | لا ولا أدمعه المنحدرة |
فشكاه الشّعر مما سامه | و شكاه اللّيل ممّا سهره |
ثمّ لمّا عبث اليأس | مزّق الطّرس وشجّ المحبره |
... | |
مرّ يوما فرأى أشباحا | جلسوا يبكون عند المقبرة |
قال ما لكم ؟ ... ما خطبكم | أيّ كنز في الثرى أو جوهره ؟ |
و من الثاوي الذي تبكونه | قيصر أم تبّه ، أم عنترة ؟ |
قال شيخ منهم محدوب | و دموع اليأس تغشى بصره |
إنّ من نبكيه لو أبصره | قيصر أبصر فيه قيصره |
كيف يا جاهل لا تعرفه | وحداة العيس تروي خبره ؟ |
هو ملك كان فينا و مضى | فمضت أيّامنا المزدهرة |
و لبثنا بعده في ظلم | داجيات فوقنا معتكره |
و الذي كان بنا " معرفة " | لصروف الدّهر أمسى " نكره " |
فانتهى التّاج إلى معتسف | لم يزل بالتّاج حتى نثّره |
كلّ ما تصبو إليه نفسه | معصر أو خمرة معتصره |
مستهين باللّيالي و بنا | مستعين بالطّغام الفجره |
كلّما جاء إليه خائن | واشيا قرّبه و استوزره |
فإذا جاء إليه ناصح | شكّ في نيّته فانتهره |
مستبد باذل في لحظة | ما ادّخرناه له و ادّخره |
يهب المرء و ما يملكه | و على الموهوب أن بستغفره |
هزأ الشّاعر منهم قائلا : | بلّغ السّوس أصول الشّجره |
رحمة الله على أسلافكم | إنّهم كانوا تقاة بررة |
رحمة الله عليهم إنّهم | لم يكونوا أمّة منشطره |
إنّ من تبكون يا سادتي | كالذي تشكون فيكم بطره |
إنّما بأس الألى قد سلفوا | قتل النّهمة فيه و الشّرة |
فاحبسوا الأدمع في آماقكم | و اتركوا هذي العظام النّخره |
لو فعلتم فعل أجدادكم | ما قضى الظالم منكم وطره |
ما لكم تشكون من محتكم | رضتم ألسنكم أن تشكره ؟ |
و جعلتم منكم عسكره | و حلفتم أن تطيعوا عسكره ؟ |
كيف لا يبغى و يطغى آمر | يتّقي أشجعكم أن ينظره ؟ |
ما استحال الهرّ ليثا إنّما | أسد الآجام صارت هرره |
و إذا اللّيث وهت أظفاره | أنشب السّنور فيه ظفره !! |