يا جارتي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
قالت لجارتها يوما تسائلها | عنّي ، و في طرفها الوسنان أشجان |
ما بال الفتى في الدّار معتزلا | كما توحّد نسّاك و رهبان |
يأتي المساء عليه و هو مكتئب | و يرجع اللّيل عنه و هو حيران |
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا | و للحديث مجال ، و هو ملسان |
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا | إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران |
إذا تبسّم ، لا تبدو نواجده | و إن بكى ، فله نزع و إرنان |
كأنّما كلّ عضو فيه بركان | |
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه | و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان |
أماله أمل حلو يلذّ به | كما تلذّ بمرأى النّور أجفان |
أماله جيرة في الأرض يألفهم | يا جارتي ، كان لي أهل و جيران |
فنبّت الحرب ما بيني و بينهم | كما تقطّع أمراس و خيطان |
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم | و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان |
و كان لي أمل إذا كان لي وطن | فيه لنفسي لبانات و خلّان |
فجرّدته اللّيالي من محاسنه | كما يعرّى من الأشجار بستان |
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها | تلك المغاني ، و لا السّكان سكّان |
لو المروءة تدري أيّ فاجعة | بالشام ، ناح عليها الإنس و الجان |
و لو يبثّ بنو لوعتهم | لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان |
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم | و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان |
تساوت الناس في البلوى ، فقلت لها | هيهات ، ما هان قوم مثلما هانوا |
أمن يموت و لا ستر يظلّله | كمن عليه أكاليل و تيجان ؟ |
قالت ، و يا ويح نفسي من مقالتها | كفكف دموعك ، بعض الحزن أهوان |
لو كان قومك أهلا للحياة لما | ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان |
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة | لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان |
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي | فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان |
و أنت من أمّة تأبى خلائقها | أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان |
و إنّ قومي طيور غير كاسرة | سطت عليها شواهين و عقبان |
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم | فكلّنا للرّدى شيب و شبّان |
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم | و هم شيوخ و أطفال و نسوان |
ورحت أشكو إليها و هي ساهية | لكنّما قلبها الخفّاق يقظان |
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة | يا ليت ما قلته زور و بهتان |
بل ليتني لم أسائل عنه جارتنا | بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان |
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة | هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان ؟ |
و هل تعود إلى لبنان بهجته | و هل أعود و في لبنان نيسان ؟ |
فأسمع الطير تشدو في خمائله | و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟ |
بني بلادي ، و لا أدعو بخيلكم | غير البخيل له قلب ووجدان |
بني بلادي ، و لا أدعو جبانكم | ما للجبان و لا لي فيه إيمان |
بني بلادي ، و كم أدعو ...! أليس لكم | كسائر الخلق أكباد و آذان ؟ |
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة | و لا تناموا و في لبنان سهران ! |