أرشيف المقالات

الرحلة إلى الدار الآخرة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم..وقد قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[ لبحديد:21].. وقد وجَّهنا االله سبحانه - كما ترى - في هذه الآيات في سورة الحديد التسابق إلى المغفرة وجنة عرضها السموات والأرض بعد ما أعلمنا الله سبحانه أن الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ وتكاثرٌ في الأموال والأولاد. وقد ضرب الله لنا مثلاً بذلك لزيادة التوضيح أنها كمثل غيثٍ أعجب االكفار أي لمزارعوان نبانه ثم يزول نضرته وجماله ليصفر ثم يكون في نهاية المطاف حطاماً , بمعنى ذلك: أنها لا تستحق حالة حياة كهذه بالتشاغل بها والتنافس بها ما دامت إلى الزوال والإضمحلال.
ولذالك أمر الله سبحانه التسابق إلى مغفرة من الرب جل جلاله وإلى نعيم جناتٍ عرضها السموات والأرص  وهي الباقيات الصالحات وليست بالخاويات الفانيات أبداً. فقد روى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ.
ورواه ابن ماجه والدارمي وابن حبان، والبيهقي في شعب الإيمان، قال العراقي ـ رحمه الله ـ في تخريج الإحياء: رواه ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت بإسناد جيد ـ وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في سلسلة الأحاديث الصحيحة.       أما حقيقة الدنيا فانظر معي كيف صوَّرها لنا بعض الشعراء كما قال الشاعر  أبو الحسن التهامي: حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري *** ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَراربَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً *** حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِطُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها *** صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدار  ويقول الحريري في مقاماته، المقامة الشعرية: [من الكامل]: يا خاطِبَ الدّنيا الـدّنِـيّةِ إنّـهـا *** شرَكُ الرّدى وقَرارَةُ الأكـدارِدارٌ متى ما أضْحكتْ في يومِها *** أبْكَتْ غداً بُعْداً لهـا مـنْ دارِوإذا أظَلّ سَحابُها لم ينـتَـقِـعْ *** منْه صدًى لجَهامِـهِ الـغـرّارِغاراتُها ما تنْقَضي وأسـيرُهـا *** لا يُفتَدى بجـلائِلِ الأخْـطـارِ وقال علي رضي الله عنه: النفس تبكى على الدنيا وقد علمت *** آن السلامة فيها, ترك ما فيهالا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيهافان بناها بخير طاب مسكنها ** وان بناها بشر, خاب بانيهاأين الملوك التى كانت مسلطنه *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيهاأموالنا: لذوى الميراث نجمعها *** ودورنا: لخراب الدهر نبنيهاكم من مدائن في الآفاق قد بليت *** أمست خرابا, وافنى الموت أهليها وقلت:  دار حُلوها مرٌ وسُرورها غمٌ *** نكدٌ كلها فأين لها من نعيمٍمتى ما أحببتها أنستك نعيم *** الآخرة كم كارهاً لها لجهنمفيا غافلُ المشتغل من الأهمِّ *** اتستبدل الخسيس بالأعظمويا ناصحُ لنفسه خُذِ العلم *** واعمل به وقم بالدِّين للأنامواعبد ربك لا تفتننَّك فكم *** من نادمٍ فرَّط لا ينفعه الندم  وقال الإمام ابن القيم فيوصف الجنة: وأقدم ولا تقنع بعيش منغص *** فما فاز باللذات من ليس يقدموإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها *** ولم يك فيها منزل لك يعلمفحي على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيمولكننا سبى العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم وقلت: لا تغرنك فانية أنت مسافر فيها *** بل تأهب لباقية أنت مخلد فيهاتشقى لخدمتها وأنت معذب فيها *** حبذا لواسترحت منها وادعا فيهاقرير العينين بعبادات ربك فيها *** لا تصرفنك فِتنها كن سالما فيهاإن الغريب في بلدة مسافر فيها *** ولا قرار له لا يبني القصور فيهالا تعلم متى الرحيل أتلعب فيها.*** كن على استعداد أنت مباغت فيهافي القبر ملكان بعد سكرات فيها *** هما منكر ونكير ويقتنانك فيهاانتبه فيه ضمة سيضيقونك فيها *** لا ينجوا منها أحد وكيف بنا فيهاإن كنت تقيا ستسريح حتما فيها *** أو عاصيا بلا شك ستتعذب فيهاستأتي يا تقي المحشر وفدا فيها *** ويأتي المجرم وهم يسوقون فيهاهنيئا بظل العرش مستمتعا فيها *** والناس تحت الشمس يتعذبون فيهاوهنيئا بشربة وما أحسن ما فيها *** من حوض نبيك يا سني مكرما فيهاوالبدعي الذي بدّل سيعطش فيها  *** فسحقا لهم اولئك قوم خسروا فيهاثم الميزان وثقلت حسناتك فيها *** والصحائف والصراط أنت فائز فيهاثم تدخل إلى الجنة هنيئا لك فيها *** وذلك هو الفوز مع لقيٍّ لربك فيهافي حنة غرسها بيده ليكرمك فيها *** وأنت الملك المرضي خالدا فيهاتلك هي الحياة ما أحسن الحياة فيها *** وحور العين مستمتعا معهن فيهاوكلما اشتهيت أمامك لا تفكر فيها *** وكلما رغبت فرغبتك مقبولة فيهاوكلما تمنيت فأمنيتك محققة فيها  *** مع عدم الهم والمرض والموت فيهاولا نصب ولا نوم ولا أذى فيها *** جائزة من الرحمن ستُقِرُّعينونك فيهالا تفوِّتنَّها بفانية أنت مغرور فيها *** فتندم حين لا ينفعه الندم اعتبر فيها


شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير