الماهدون في المهجر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ألا و بعون لو أنّها تتكلّم | لروت لنا قصص للعظام عنكم |
و لحدّثتنا عن أعشاشكم | طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم |
يوم الفراق كظمتم آلامكم | و أخفّ من ألم الفراق جهنّم |
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم | تعصى البكا ؛ حزن الجبابر أبكم |
أيد تودّع موطنا و عشيرة | و مطامح خلف البحار تسلّم |
ضاقت على أحلامهم تلك القرى | فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا |
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم | إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم |
كاللّيث ليس سلاح في السّرى | مخالبه التي لا تلثم |
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا | و انداح بين الشّاطئين لتسلموا |
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة | كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم |
و الموج ‘ذ يطغى و يهدر حولكم | جوقا لطرد همومكم يترنّم |
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى | خلتم لأجلكم تضيء الأنجم |
و حسبتم شمّ الجبال سلالما | نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم |
و الشمس منجم عسجد متكشّف | لذوي الطموح و أنتم أنتم هم |
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى | كالأرض يغشاها السراب الموهم |
لتطلّ من أرواحنا أشواقها | فنطوف حول خدورها و نحوّم |
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم | لكم شراب في الحياة و مطعم |
لو أن تكون حياتكم كحياتهم | عبثا يموت به الوقار و يعدم |
و تأففا في اللّيل و هو منوّر | و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم |
لو أن يكون ترثكم كتراثهم | قصر عفا أو هيكل متردّم |
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا | فهم سواء فقي القياس و جرهم |
من يقترب من أمس يبعد عن غد | و يعش مع الموتى و يصبح منهم ! |
و كرهتم أن تنقضي أيامكم | شكوى لمن يرثي و من لا يرحم |
أو أن يبيت على احضيض مقامكم | و الدود يزحف فوقه و الأرقم |
فنفرتم كالنحل ، ما من زهرة | فيها جنى ، إلاّ و فيها مغنم |
في كلّ شطّ مارد ، في كلّ طود | قشعم ، في كلّ واد ضيغم |
المجد مطلبكم و أنتم سهّد | و المجد حلمكم و أنتم نوّم |
لا شيء صعب عندكم حتى الردى | ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا |
يا بضعة من أمّة | هي أمّة |
فيكم جميع صفاتها و خلالها | و الروض يحويه عطورا قمقم |
إنّ الألى الجهاد عليكم | علكوا مداركهم و لم يستطعموا ... |
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم | درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا |
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم | و أجلّ في نظر الحياة و أفهم ! |
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم | ليت الشّباب من الكهول تعلّموا ! |
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا " | أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا |
و لكم غد و جماله و بهاؤه | و لكم من الأمس النفيس القيّم |
*** | |
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي | عجلان يخترق الدذجى و يدمدم |
فسألها مستفهما ، لربما | سأل العليم سواه عمّا يعلم |
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم ! | و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم |
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال ؟ | قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم |
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم | و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم |
ما كان أكمل يومكم و أتمّه | لو لم يكن في مهد عيسى مأتم |
و كذا الحياة ، قديمها وحديثها ، | ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم |