هديتي إلى مدارس الشعب بالاسكندرية
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما للهموم الطارقات ومالي | أسهرنني ورقدن عن أوجالي |
أمسين ملء جوانحي ما نابني | خطب ولا خطر الغرام ببالي |
أهوى وقد عبث المشيب بمفرقي | ليس الغواية للكبير البالي |
ما ثم داء يستطار له الكرى | ما ثم غير كآبة وملال |
أرعى الشواقب في الظّلام كأنها | زهر الحدائق أو نثير لآلي |
وكأنّما شوك القتاد بمضجعي | وكأنّ حشو وسادتي بلبالي |
حتى إذا عكفت علّي وساوسي | ونبا الفراش نزعت للتّجوال |
فخرجت كالمنشور بعد مماته | وركبت متن اللّيل غير مبال |
وذهبت أخترق المسالك مدلجا | وكأنما أطلقت من أغلال |
أسعى وما غاية أسعى لها | سعيي إلى أمل من الآمال |
فاستوقفتني ضجة في حانة | حبست مقاعدها على الجهّال |
حلموا على الصّهباء يرتشفونها | كالطّير حول مصفّق سلسال |
في غفلة العذّال في غسق الدّجى | إنّ السعادة غفلة العذّال |
نهب الكؤوس عقولهم ونضارهم | نهب المدير الخادع الختّال |
أمسى يسوق إليهم آجالهم | وحتوفهم في صورة الجريال |
شرّ الشراب الخمر يصبح صبّها | قيد الضّنى ويبيت رهن خبال |
يا سالب الأرواح بعض ترفّق | يكفيك أنّك سالب الأموال |
لا تدفعنّ تلك النفوس إلى الرّدى | إنّ النفوس وإن صغرن غوالي |
وإذا بمخمور يتيه معربدا | خبل به ما ذاك تيه دلال |
حيران مضطرب الخطى فكأنما | قد راح يمشي فوق جمر صال |
متخمّط في سيره، متأوّد | كالغصن بين صبا وبين شمال |
عقد الشراب لسانه ولقد يرى | طلقا وفك مجامع الأوصال |
فكبا كما يكبوا الجواد على الثّرى | شدّت عليه فوادح الأثقال |
وتقدّم الشّرطي يمشي نحوه | مشي الفخور بنفسه المختال |
متلفتّا عن جانبيه كعاشق | متلفّت حذر الرقيب القالي |
ورأيته وبنانه في جيبه | فعلمت سرّ تلفّت المحتال |
لا تعجبوا مما أحدثكم به | كم تحت ذاك الثّوب من نشّال |
ثمّ انثنى متبسّما وإذا فتى | غضّ الإرهاب ممزّق السّربال |
وافى فحرّكه فألقى جثة | همدت فأجفل أيّما إجفال |
وحتى عليه يضمّه ودموعه | تنهلّ مثل العارض الهطّال |
وأتى ذويه نعيه فتألّبوا | والغيد تعول أيّما إعوال |
أرخصن ماء الجفن ثمّ أذلته | ولقد يكون الدّمع غير مذال |
ولقد شهدت صغاره في حيرة | من أمرهم، لهفي على الأشبال |
لا يفقهون الحزن غير تأوّه | ما الحزن غير تأوه الأطفال |
ما كنت أعلم قبلما حفوا به | أنّ الشقيّ الجدّ ربّ عيال |
أسفي عليه مضرّجا لم تمتشق | يده الحسام ولم يسر لقتال |
أودى ضحية جهله كم بائس | أودى شهيد الجهل والاهمال |
فرجعت مصدوع الفؤاد أبثكم | شجوي وأندب حاله العمّال |
باتوا من الأرزاء بين مخالب | من دونهن مخالب الرئبال |
خطران من جهل وفقر ماالردى | غير اجتماع الجهل ولاقلال |
فخذوا بناصرهم فإنّ حياتهم | في مأزق حرج من الأهوال |
ما أجدر الّجهلاء أن يتعلّموا | فالعلم مصدر هيبة وجلال |
فاسعوا لنشر العلم فيهم إنّما | فضل الغمام يبين في الامحال |
إنّ الجهول إذا تعلّم واهتدى | بثّ الهدى في صحبه والآل |
يا قوم إن لم تسعفوا فقراءكم | فلم ادّخاركم إذن للمال |
هلاّ رضيتم بالمحامد قنية | إنّ المحامد قنية المفضال |
أو لستم أبناء من سارت بهم | في المكرمات روائع الأمثال |
جودا فغير الحمد غير ملّد | ما المال إنّ المال طيف خيال |
هيهات ما يبقى ولو عدد الحصى | أنّى يدوم وربه لزوال |