لوس انجيلوس
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أنا لست في دنيا الخال و لا الكرى | و كأنّني فيها لروعة ما أرى |
يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى | و أنا ؟ أصاح أم شربت مخدّرا ؟ |
لا تعجبوا من دهشتي و تحيّري | و تعجّبوا إن لم أكن متحيرا |
كيف التفتّ رأيت آية شاعر | لبق تعمّد أن يجيد ليبهرا |
مسحت بإصبعها الحياة جفونه | فرأى المحاسن ، فانتقى و تخيّرا |
ما " لوس انجلوس " سوى أنشودة | الله غنّاها فجنّ لها الورى |
خلع الزّمان شبابه في أرضها | فهو اخضرار في السفوح و في الذرى |
أخذت من المدن العواصم مجدها | و جلالها ، و حوت حلاوات القرى |
هي واحة للمتعبين ، و جنّة | للعاشقين ، و ملعب لذوي الثرى |
كفّنت في نيويورك أحلام الصبا | و طويتها ، و حسبتها لن تنشرا |
لكنّني لمّا لمحت زهورها | شاهدت أحلامي تطلّ من الثرى |
تتنفّس الهضبات في رأد الضّحى | تبرا ، و في الآصال مسكا أذفرا |
فالسّحر في ضحك النّدى مترقرقا | كالسّحر في رقص الضّياء معطّرا |
قل للألى و صفوا الجنان و أطنبوا | ليست جنان الخلد أعجب منظرا |
كلّ الفصول هنا ربيع ضاحك | فإذا ترى شهرا رأيت الأشهرا |
إن كنت تجهل ما حكايات الهوى | فاتنصت لوشوشة النّسيم إذا سرى |
وانظر إلى الغبراء تنبت سندسا | و تأمّل الغدران تجري كوثرا |
و اشرب بعينيك الجمال فإنّه | خمر بغير يد الهوى لن تعصرا |
حاولت وصف جمالها فكأنّني | ولد بأنمله يحوش الأبحرا |
و استنجدت روحي الخيال فخانني ، | و كبا جواد فصاحتي و تعثّرا |
أدركت تقصيري وضعفي عندما | أبصرت ما صنع الإله وصورا |
إنّي شهدت الحسن غير مزيّف | بئس الجمال مزيفا و مزوّرا |
أحببت حتّى الشوك في صحرائها | و عشقت حتى نخلها المتكبّرا |
أللابس الورق اليبيس تنسكا | و المشخرّ إلى السماء تجبّرا |
هو آدم الأشجار أدركه الحيا | لمّا تبدّى عرية فتسترا |
إبن الصحارى قد تحضّر و ارتقى | يا حسنة متبديا متحضرا |
و قفت ترقبه ليلة | مثل حظّ الأدباء الشّعرا |
تكتم الظّلماء من لألأها | أيّ بدر في الظلام استترا ؟ |
أرسلت نحو لفتة | أذكرت تلك الدّراري القمرا |
و إذا بالبدر قد مزّق عن | وجهه برقعه ثمّ انبرى |
فأضاء الجوّ و الأرض معا | نوره الفضّيّ لمّا ظهرا |
فرنت عن فاتر و ابتسمت | عن نظيم قد أكنّ الدّررا |
ثمّ يا حبيبي مرحبا | لا رآك الطّرف إلاّ نيّرا |
قف قليلا أو كثيرا معسى | نورك الباهر يجلو البصرا |
إن تغب فالصّبح عندي كالدّجى | و الدّجى إن جئت بالصّبح ازدرى |
لم تحبّ السّير ليلا فإذا | ذرّ قرن الشّمس عانقت الكرى ؟ |
أتخاف الشمس أم أنت كذا | تعشق اللّيل و تهوى السهرا ؟ |
ثمّ ناجت نفسها قائلة | أترى أبلغ منه وطرا ؟ |
ليت لي أجنحة بل ليتني | نجمة أتبعه أنّى سرى |
و همّ البعض فقالوا درهم | ما أرى الدّرهم إلاّ حجرا |
و لقد أضحكتي زعمهم | أنّه يشبه في الحجم الثّرى |
زعموا ما زعموا لكنّما | هو عندي لعبة لا تشترى |
و بدت غياض البرتقال فأشبهت | جلباب خوذ بالنضار مزرّرا |
من فوقها انتشر الضذياء ملاءه | من فوقه جوّ صفا و تبلورا |
و كأنّما تلك القصور على الربى | عقد لغانية هوى و تبعثرا |
لمّا تراءت من بعيد خلتها | سفنا ، و خلت الأرض بحرا أخضرا |
نفض الصّباح سناه في جدرانها | و أتى الدّجى فرأى مناثر للسرى |
متألّقات كابتسامات الرّضى | تنسيك رؤيتها الزّمان الأعسرا |
أنا شاعر ما لاح طيف ملاحة | إلاّ و هلّل للجمال و كبّرا |
وزعت نفسي في النفوس محبّة | لا شاكيا ألما و لا متضجّرا |
و مشيت في الدنيا بقلب يابس | حتّى لقيت أحبّتي فاخضوضرا |
قد كنت أحسبني كيابا ضائعا | فإذا أنا شخص يعيش مكرّرا |
فكأنّي ماء الغمام إذا انطوى | في الأرض ردّته نباتا مثمرال |
ما أكرم الأشجار في هذا الحمى | فيها لقاصدها البشاشة و القرى |
تقري الفقير على خصاصة حالة | كرما ، كما تقري الغنيّ لموسرا |
ألبذل ديدنها سواء جئتها | متقدّما أم جئتها متأخّرا |
فكأنّها منكم تعلّمت الندى | كما تغيث الناس إن خطب عرا |