هاشم الوترى
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا | وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا |
بالمُبدعينَ " الخالقينَ " تنوَّرَتْ | شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا |
شرفاً " عميدَ الدارِ " عليا رُتبةٍ | بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا |
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ ، فلم يكن | تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا |
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً | تعيا العقولُ بحلِّها . وغرائبا |
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً | وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا ! |
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ | في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا |
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً | يَهدي مَواطنَهُ ، وتُزِهق كاتبا |
" التَيْمِسيّونَ ! " الَّذين تناهبوا | هذي البلاد حبائباً وأقاربا |
والمغدِقونَ على " البياضِ " نعيمَهُمْ | حَضْنَ الطيورِ الرائماتِ زواغبا |
يَستصرخونَ على الشّعُوب لُصوصَها | في حينَ يَحتجزونَ لِصّاً ساربا |
ويُجَنِّبونَ الكلب وَخزةَ واخزٍ | ويجَهِّزُونَ على الجُموعِ معاطِبا |
أُلاءِ " هاشمُ " مَنْ أروكَ بساعةٍ | يصحو الضميرُ بها ! ضميراً ثائبا |
فاحمَدْهُمُ أن قد أقاموا جانباً | واذمُمْهُمُ أن قد أمالوا جانبا |
وتحرَّسَّنْ أنْ يقتضوكَ ثوابَها ! | وتوقَّ هذا " الصيرفيَّ " الحاسبا |
لله درُّكَ أيُّ آسٍ مْنقذٍ | يُزجي إلى الداءِ الدواءَ كتائبا |
سبعونَ عاماً جُلتَ في جَنَباتها | تبكي حريباً أو تُسامرُ واصبا |
متحدَّياً حُكمَ الطباعَ ! ودافعاً | غَضَبَ السَّماءِ وللقضاءِ مُغالِبا! |
تتلمَّسُ " النَّبَضاتِ " تجري إثرّها | خلَجاتُ وجهِكَ راغباً أو راهبا |
ومُشارِفٍ ! نَسَجَ الهَلاكُ ثيابَهُ | ألْبْستَهُ ثوبَ الحياةِ مُجاذبا |
ومكابدٍ كَرْبَ المماتِ شركتَهُ | - إذْ لم تَحِدْ منجىً – عناءاً كارِبا |
ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ | فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا |
كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي | فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا |
هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ | مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا |
هذا الغِراسُ – وملُْ عينِكَ قرّةٌ | أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا |
هذا المَعينُ ، وقد أسلتَ نَميرَهُ | وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا |
هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً | مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا |
أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا | وسهِرْتَ ليلاً " نابِغيّاً " ناصبا |
وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها | أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا |
أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ | ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا |
ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها | باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا |
الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً | والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا |
وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى | للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا |
أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها | غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا |
الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ | يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا |
والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ | والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا |
غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها | بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا |
وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً | للقادمينَ مواكباً فمواكبا |
غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت | بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا |
وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ | وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا |
بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً | تلهو ، وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا |
وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا | وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا |
والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها | في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا |
الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ | تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا |
الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ | إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا |
والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي | زاهي الشبابِ بها ، ويمسحُ شاربا! |
والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ | جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا! |
وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً | بيضٌ كواعبُ ، يندفعنَ عصائبا |
حدِّثْ عميدَ الدارِ كيفِ تبدَّلَت | بُؤَراً ، قِبابٌ كُنَّ أمسِ مَحارِبا |
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى | والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا |
ولم استباحَ " الوغدُ " حُرمةَ من سَقى | هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا |
إيهٍ " عميدَ الدار " كلُّ لئيمةٍ | لابُدَّ – واجدةٌ لئيماً صاحبا |
ولكلِّ " فاحشةِ " المَتاع دَميمةٍ | سُوقٌ تُتيحُ لها دَميماً راغبا |
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً | منَّا ، وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا! |
فتعهَّدوهُ ، فراحَ طوعَ بَنانِهمْ | يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا |
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ " شهيدُها " | للخائنينَ الخادمينَ أجانبا |
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ | ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا |
مُتَنمّرينَ يُنَصّبونَ صُدورهُمْ | مِثْلَ السّباعِ ضَراوةً وتَكالُباً |
حتى إذا جَدَّتْ وغىً وتضرَّمَتْ | نارٌ تلُفُّ أباعِداً وأقارِبا |
لَزِموا جُحورَهُمُ وطارَ حليمُهُمْ | ذُعْراً ، وبُدِّلَتِ الأسودُ أرانبا |
إيهٍ " عميدَ الدار " ! شكوى صاحبٍ | طفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا |
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً | عنّي ، تُناشدُ ذاهباً ، أو آيِبا |
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ " نجم " ساطعٌ | ملءُ العيونِ ، عن المحافل غائبا |
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا | وضَحُ " الصَّباح " عن العيون غياهبا |
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ | مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً |
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً | ومَفاخراً ، ومساعياً ومكاسبا |
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ | لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا |
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها | حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا |
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً | منهمْ تَمُجُ سمومَها .. وعقاربا |
شَلَّتْ يدُ المستعمرينَ وفرضُها | هذي العُلوقَ على الدّماءِ ضرائبا |
ألقى إليهمْ وِزْرَهُ فتحمَّلوا | أثقالَهُ حَمْلَ " الثيّابِ " مشاجبا |
واذابَهُمْ في " المُوبقاتِ " فأصبحوا | منها فُجوراً في فجورٍ ذائباً |
يتَمَهَّلُ الباغي عواقبَ بَغْيِهِ | وتراهُمُ يَستعجلونَ عواقبا |
حتى كأنَّ مصايراً محتومةً | سُوداً تُنيلُهُمُ مُنىً ورَغائبا |
قد قلتُ لِلشَّاكينَ أنَّ " عصابةً " | غصَبَتْ حقوقَ الأكثرينَ تَلاعُبا: |
ليتَ " المواليَ " يغصبونَ بأمرِهِمْ | بل ليتَهم يترَسَّمونَ " الغاصبا " |
فيُهادِنون شهامةً ورجولةً | ويُحاربونَ " عقائداً " ! ومذاهبا |
أُنيبكَ عن شرِّ الطّغام نكايةً | بالمؤثرينَ ضميرَهمْ والواجبا |
لقَدِ ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهِّباً | وَقَد ابتُلِيتُ بهمْ جَهاماً كاذبا |
حشَدوا عليَّ المُغرِياتِ مُسيلةً | صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا |
بالكأسِ يَقْرَعُها نديمٌ مالثاً | بالوعدِ منها الحافَتَيْنَ وقاطبا |
وبتلكُمُ الخَلَواتِ تُمْسَخُ عندَها | تُلْعُ الرِّقابِ من الظّباءِ ثعالبا!! |
وبأنْ أروحَ ضحىً وزيراً مثلَما | أصبحتُ عن أمْرٍ بليلٍ نائبا |
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري | سقطَ المَّتاع ، وأنْ أبيعَ مواهبا |
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ | أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا |
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً | شوكاءَ ، تُدمي مَن أتاها حاطبا |
واستيأسوُا منها ، ومن مُتخشِّبٍ | عَنتَاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا |
حُرّس يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي | حتَّى يروحَ لمنْ سواه محاسِبا |
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً | ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالبا !! |
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ | ورأى الفضيلةً أنْ يظْلَّ مُحاربا |
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ | في جلدِ " أرقطِ " لا يُبالي ناشبا ! |
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم! | أزكى من المُترهِّلين حقائبا |
يتساءلونَ أينزِلونَ بلادَهم ؟ | أمْ يقطعونَ فدافِداً وسباسبا؟ |
إنْ يعصِرِ المتحكِّمونَ دماءَهم | أو يغتدوا صُفْرَ الوجوه شواحبا |
فالأرضُ تشهدُ أنَّها خُضِبَتْ دماً | منّي ، وكان أخو النعيم الخاضبا |
ماذا يضرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ | أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا |
أنّي أظَلُّ مع الرعيَةِ مُرْهَقاً | أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ لاغبا |
يتبجَّحُونَ بأنَّ موجاً طاغياً | سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا |
كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي | أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا |
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من | أقدارِهمْ ، وتثلُّ مجداً كاذباً |
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ | أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا |
خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً | تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا |
والأمثلونَ همُ السَّوادُ ، فديتُهمْ | بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا |
بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ | ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا |
أعلِمتَ " هاشمُ " أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ | هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟ |
أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً | أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا |
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى | عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا |
أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً | في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا |
للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً | للهاجراتِ ، لحُرّش وَجْهيَ ناصبا |
أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي | كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا |
أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً | ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا |
ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي | بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا |
ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً | عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا |
لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه | ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا |
آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً | إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا |
وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ | وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا |
وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ | أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا |
ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ | رعيَ الظروف ! مُواكباً ومُجانبا |
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه | ويعودُ في اللِّيل ! التَّقيَّ الراهبا |
وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ | وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا |
عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ | منها ، ويخبِطُ في دُجاها حاطبا |
حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها | عنه ، وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا |
ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه | يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا |
خطَّانِ ما افترقا ، فامَّا خطَّةٌ | يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا |
الجوعُ يَرْصُدها .. وإمَّا حِطَّةٌ | تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا |
لابُدَّ " هاشمُ " والزَّمانُ كما ترى | يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا |
والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ " ديكَهُ " | ويُطيرُ من ليلٍ " غراباً " ناعبا ! |
والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى | بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا |
والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ | هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً |
لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها | تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا |