الصَبر الجَميل ..
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني | على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ |
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه | لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع |
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه | وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي |
ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه | إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع |
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى | تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع |
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ | وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع |
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ | ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع |
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً | على نكبات الدهر لا بالتطبّع |
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً | وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع |
الشاعر الجبَار .. | |
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ | باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ |
أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ | جلالاً عن واطئات العوالم |
أم تظُن السماء في مهرجانٍ | لقريب من الملائك قادم |
أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ | بروح مشكك متشائم |
كيفما شاء فليكنْ ، إن فكراً | عبقرياً على المَجرة حائم |
قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني | لثرى الكوفةِ المعطر لاثم |
ولبيتٍ أناره عبقرىٌ | لم ينوَّر بمثله الأُفقُ ، خادم |
ليت أني بريقُ عينيه أو أني | لنور القلب المشعِ مقاسم |
أيها " الكوكبُ الجديدُ " تخيرْني | إذا ارتحت ، بسمةً في المباسم |
ولقد قال ماردٌ يتلظى | في جحيمٍ على البرية ناقم : |
أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ | وضَعفٍ على الثرى متراكم |
لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ | عجافٍ كثيرةٍ ومناسم |
أفنسلُ المَلاك هذا وما كان | ملاك موكلاً بالجَرائم؟ |
أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ | لم يَرْبُ في دُموع المآتم |
إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً | ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم |
لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت | للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم |
وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا | عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم |
فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ | ونزعجْ أحلامه وهو نائم |
ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى | عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم |
ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً | نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم |
أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ | ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم |
وسأهديكَ ان تقبلتَ منى | مِعولاً من لظىً.. فإنك هادم!! |
وسلامٌ عليك يوم تُناوِي | لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم |
بُشِّر ألمنجبُ " الحسين " بمولودٍ | عليه من الْخُلود علائم |
سابح الذهن .. حالم بلشقاتِ | شريد العينين بين الغمائم |
وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ | وفوداً مزهوةً بالمواسم |
واتى الكونَ " ضيفهُ " بدويَّ الرعد | يلقاه لا بسجع الحمائِم |
عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ | غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم |
فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ | وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم |
قائلاً :هذه حدودي تخطا | ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم |
ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر | لكن للغانيات النَواعم |
قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ | بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم |
يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ | الرزايا فما استلانَ بعاجِم |
ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً | حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم |
شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو | باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم |
وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ | تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم |
ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ | الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم |
ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ | غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم |
تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ | وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم |
وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ | يجري من حيثُ تَجري النسائِم |
وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ | غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم |
كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ | عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم |
هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ | الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم |
ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ | يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم |
إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ | بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم |
" كندةٌ " أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ | عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟ |
لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ | إلا مُحرَّقاتِ الركائِم |
أحصيد دور الثقافة في الشرقِ | ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟ |
أين بيتُ الجبار باق على سمعِ | الليالي مما يَقول زمازِم؟ |
" جُعف " منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ | ما كانَ في " أُمَيٍّ " و " هاشم " |
لست أدري " اكوفة " المتنبي | أنجبته أم أنجبته العواصِم |
غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو | بين جوٍّ نابٍ .. وجوٍّ ملائِم |
" حَلبٌ " فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ | كان من قبلُ " وردةً " في كمائِم |
أيُّ بحر من البيان بامواجِ | المعاني فياضةً ، متلاطِم |
كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً | في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم |
وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ | العينُ واهباتِ السلالم؟ |
حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ | يُخفون عجزَهم بالمزاعِم |
روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها | روعةً من نسيجك المتلاحِم |
شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ | ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم |
ما "ابن حمدان " إذ يقودُ من الموتِ | جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم |
بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن | اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم |
إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ | الخوافي مهيضةً والقوادِم |
وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال | تَهدي لها الظنونَ الرواجِم |
لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ | مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم |
كم أغرٍّ " مُحَجَّلٍ " ودَّ لو يُهديكَ | ما في جَبينه والمعاصِم |
واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك | تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم |
شِعْبُ " بَوّان " لا تخيُّلُ فنّانٍ | غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم |
متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ | ومَسْرى خيالِه وهو حالِم |
لا تعفَّيْتَ من " مَمَرٍّ " كريمٍ | خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم |
ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا | لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم |
عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ | واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم |
رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ | لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم |
إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً | بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم |
فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ | وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم |
رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي | مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم |
بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ | جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم |
لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ | بما زيَّنَتْ له من مَواسِم |
وسلامٌ على النُبوغ ففيما | تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم |