الشاعَر: ابن الطبيعَة الشَاذ !
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ | سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ |
وما سهلٌ حياةُ اخي شُعورٍ | من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق |
أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً | حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق |
تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ | سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق |
وتحمل ما يحلّ من الرزايا | قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ |
يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ | وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ |
قليلٌُّ عاذروكَ على انقباضٍ | أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق |
ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه | على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ |
شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي | له شِقٌ وطوعُ يديك شِق |
وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ | قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق |
وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ | لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق |
أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو | وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق |
تسير بك العواطفُ للمنايا | وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق |
وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ | وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق |
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً | وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق |
خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ | وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ |
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ | شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق |
وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما | تُحسُّ ، وميزةُ الشُعَراء نُطْق |
حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً | وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق |
فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ | أم تُسفُّ فتُستَرَقّ |
فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً | ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق |
ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي | وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق |
ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما | بأنهما لميلِ الشَعب وَفق |
دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ | ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق |
بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد | " أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق " |
قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي | لمن لم يعرف التهويش طَرْق |
وصارمةٌ نواميسي وعندي | لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق |
وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ | ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق |
غريبٌ عالم الشعراء تقسو | ظروفهم والسنُهم تَرِق |
كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا | فبينهم وبين الناس فَرْق |
شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ | شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق |
وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ | عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق |
تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ | ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق |
وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ | ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق |
تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت | على يَدهِ من الأفكار غُلْق |
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً | مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق |
ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ | لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق |
ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا | بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق |
يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا | من التنقيد والشتَمات رَشق |
فاما جَنْبةُ التكريم منهم | فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ |
متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا | كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق |
وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً | كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ |
ورب مُضيَّع منهم هباءاً | يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق |
تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ | ويُعرَض في المتاحف منه رَق |
فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق | يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق |
وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ | عليه من نِثار الوَرد وَسق |
يُجل رفات أحمدِه فرات | وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق |
ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب | وُروعٌ ذا وسد عليه رزق |