عاشوراء ...
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا | ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا |
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً | على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا |
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً | تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا |
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً | على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا |
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى | لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا |
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه | على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا |
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه | وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا |
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً | بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا |
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ | أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا |
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة | وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا |
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ | من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا |
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ | من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا |
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله | أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى |
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ | عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى |
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً | بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا |
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة | مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا |
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق | على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا |
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ | تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا |
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ | مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى |
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن | لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا |
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ | لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا |
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ | عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا |
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ | وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا |
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا | سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا |
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى | على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا |
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ | ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا |
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ | وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا |
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ | إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا |
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى | قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا |
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ | لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا |
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ | تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا |
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ | وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا |
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ | لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا |
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه | وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا |
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها | من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا |
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه | قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا |
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن | كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا |
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض | يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا |
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه | بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا |
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً | ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا |
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ | وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا |
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه | كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا |
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه | مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا |
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه | فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا |
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا | وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا |
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً | ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا |
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه | وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا |
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا | من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا |
وأن يتراءى قرده متقدِّماً | يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا |
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ | لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا |
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه | عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا |
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ | ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا |
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه | على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا |
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها | وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا |
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً | عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا |
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ | وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا |
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ | من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى |
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ | من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا |
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها | وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا |
على أنه بالرَغم من سَقَطاته | وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا |
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة | بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا |
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة | زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا |
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة | بأُخرى ، ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا |
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة | زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ |
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ | تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا |
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه | وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا |
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه | يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا |
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها | ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا |
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه | بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا |