وادي العرائش...
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ | مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ |
نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ | بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد |
واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ | مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود |
قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ | فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد |
ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ | الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد |
واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها | أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود |
ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ | في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد |
أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى | فإنما هو تبذيرٌ وتبديد |
أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ | لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود |
وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ | به ، ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود |
لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على | واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود |
زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها | واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد |
أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ | سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود |
بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ | مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود |
تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ | لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود |
يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ | إليكِ عنيّ ، فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد |
صُنْعُ الطبيعةِ ، بالأشجارِ وارفةً | لَهُ ، وبالنَّهَرِ الرّقراقِ ، تحديد |
خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ | ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود |
طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ | واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد |
تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا | في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد |
تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً | لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد |
حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ | تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد |
استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها | زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد |
فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ | وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد |
ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها | أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد |
هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على | شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد |
كأنَّها ، وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها ، | مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود |
بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ | على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد |
للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها | يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد |
لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ | جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود |
في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على | " وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد |
تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ | يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد |
الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ | كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود |
خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ | تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود |
أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ | في الروح منهُ ، ولا في السَبْكِ تعقيد |
نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه | لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد |
الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ | والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد |
لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى | أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود |
جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ | فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود |
وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها | مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد |
وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها | ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد |
ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ | أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود |
أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ | فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد |
فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ | من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود |
ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ | رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود |
إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها | مسحورةٌ ، كلّها همٌّ وتسهيد |
إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما | واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود |
وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ | ولا صدودٌ ، ولا بُخْلٌ ، ولا جود |
يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه | فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود |
خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ | ولطفُ معناه من معناكَ توليد |
اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني | كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود |
وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ | كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود |
لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني | إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد |