وحي الرستمية ...
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها | إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ |
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به | ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور |
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ | للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير |
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها | بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير |
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني | حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري |
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني | صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير |
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ | بكل مرتجف الأطيافِ مسحور |
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه | عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور |
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي | ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير |
كأنني ، والمروجُ الخضرُ تنفَحُني | بالموحيات ، " ابنُ عمرانٍ " على الطور |
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه | لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير |
وتستبيك بحشدٍ من روائعها | موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور |
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت | طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير |
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه | على القراطيس نقصٌ في التعابير |
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً | عن حسنها بأغاريد العصافير |
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً | عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير |
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على | خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور |
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ | صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير |
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها | عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور |
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها | وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير |
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً | ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير |
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً | نقَّ الضفادع في لحن الشحارير |
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره | بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور |
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه | كان الضمينَ بإنياس الدياجير |
واستضحك الشط من لئلاء طلعته | كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير |
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت | ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور |