في القفر
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
سئمت نفسي الحياة مع الناس، | وملّت حتى من الأحباب |
وتمشت فيها الملالة حتى | ضجرت من طعامهم والشراب |
ومن الكذب لابسا بردة الصدق، | وهذا مسربلا بالكذاب |
ومن القبح في نقاب جميل | ومن الحسن تحت ألف نقاب |
ومن العابدين كلّ إله | ومن الكافرين بالأرباب |
ومن الواقفين كالأنصاب | ومن الساجدين للأنصاب |
ومن الراكبين خيل المعالي | ومن الراكبين خيل التصابي |
والألى يصمتون صمت الأفاعي | والألى يهزجون هزج الذباب |
صغرت حكمة الشيوخ لديها | واستخفّت بكلّ ما للشباب |
قالت أخرج من المدينة للقفر | ففيه النجاة من أوصابي |
وليك الليل راهي، وشموعي | الشهب، والأرض كلها محرابي |
وكتابي الفضاء أقرأ فيه | سورا ما قرأتها في كتاب |
----------- | |
وصلاتي الذي تقول السواقي | وغنائي صوت الصّبا في الغاب |
وكؤوسي الأوراق ألقت عليها | الشمس ذوب النّضار عند الغياب |
ورحيقي ما سال من مقلة الفجر | على العشب كاللّجين المذاب |
ولتكحّل يد المساء جفوني | ولتعانق أحلامه أهدابي |
وليقبّل فم الصباح جبيني | وليعطّر أريجه جلبابي |
ولأكن كالغراب رزقي في الحقل ، | وفي السفح مجثمي واضطرابي |
ساعة في الخلاء خير من الأعوام | تقضى في القصر والأحقاب |
يا لنفسي فإنها فتنتي | بالحديث المنمّق الخلاّب |
فإذا بي أقلى القصور ، وسكناها ، | وأهلى القصور ذات القباب |
فجرت العمران تنفض كفّي | عن ردائي غباره وإهابي |
وتركت الحنى وسرت وإياها | وقد ذهّب الأصيل الروابي |
نهتدي بالضحى، فإن عسعس الليل | جعلنا الدليل ضوء الشهاب |
وقضينا في الغاب وقتا جميلا | في جوار الغدران والأعشاب |
تارة في ملاءة من شعاع | تارة في ملاءة من ضباب |
تارة كالنسيم نمرح في الوادي، | وطورا كالجدول المنساب |
في سفوح الهضاب والظلّ فيها، | ومع النور وهو فوق الهضاب |
إنما نفسي التي ملت العمران | ملّت في الغاب صمت الغاب |
فأنا فيه مستقل طليق | وكأني أدبّ في سرداب |
علمتني الحياة في القفر أني ، | أينما كنت ، ساكن في التراب |
وسأبقى ما دمت في قفص الصّلصال عبد المنى أسير الرغاب | |
خلت أني في القفر أصبحت وحدي | فإذا الناس كلّهم في ثيابي! |