يا جارة الوادي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
شَيّعـتُ أَحْـلامـي بقلـبٍ بـاكِ | ولَمَحتُ من طُرُق المِـلاحِ شِباكـي |
ورجـعـتُ أَدراجَ الشبـاب ووِرْدَه | أَمشي مكانَهمـا علـى الأَشـواكِ |
وبجـانبِـي واهٍ كـأَن خُفـوقَـه | لَمـا تلفَّـتَ جَهْشَـةُ المُتبـاكـي |
شاكِي السلاحِ إذا خـلا بضلوعـه | فإذا أُهيـبَ بـه فليـس بـشـاكِ |
قد راعـه أَنـي طوَيْـتُ حبائلـي | من بعـد طـول تنـاولٍ وفكـاكِ |
وَيْحَ ابنِ جَنْبـي ؟ كلُّ غايـةِ لـذَّةٍ | بعـدَ الشبـابِ عـزيـزةُ الإدراكِ |
لـم تَبـقَ منَّا ، يا فـؤادُ ، بقيّـةٌ | لـفـتـوّةٍ ، أَو فَضلـةٌ لـعِـراكِ |
كنا إذا صفَّقْـتَ نستبـق الـهوى | ونَشُـدُّ شَـدَّ العُصبـةِ الـفُتَّـاكِ |
واليومَ تبعـث فـيّ حيـن تَهُزُّنـي | مـا يبعـث الناقـوسُ فِي النُّسّـاكِ |
**** | |
يا جارةَ الوادي ، طَرِبْـتُ وعادنـي | ما يشبـهُ الأَحـلامَ مـن ذكـراكِ |
مَثَّلْتُ فِي الذِكْرَى هَواكِ وفِي الكَرَى | والذِّكرياتُ صَدَى السّنينَ الحَاكـي |
ولقد مررتُ على الريـاض برَبْـوَةٍ | غَـنَّـاءَ كنـتُ حِيالَهـا أَلقـاكِ |
ضحِكَتْ إلـيَّ وجُوهها وعيونُهـا | ووجـدْتُ فِـي أَنفاسهـا ريّـاكِ |
فذهبتُ فِي الأَيـام أَذكـر رَفْرَفـاً | بيـن الجـداولِ والعيـونِ حَـواكِ |
أَذكَرْتِ هَرْوَلَةَ الصبابـةِ والـهوى | لـما خَطَـرْتِ يُقبِّـلان خُطـاكِ ؟ |
لم أَدر ما طِيبُ العِناقِ على الـهوى | حتـى ترفَّـق ساعـدي فطـواكِ |
وتأَوَّدَتْ أَعطـافُ بانِك فِي يـدي | واحـمرّ مـن خَفَرَيْهمـا خـدّاكِ |
ودخَلْتُ فِي ليلين: فَرْعِك والدُّجـى | ولثمـتُ كالصّبـح المنـوِّرِ فـاكِ |
ووجدْتُ فِي كُنْهِ الجوانـحِ نَشْـوَةً | من طيب فيك ، ومن سُلاف لَمَـاكِ |
وتعطَّلَتْ لغـةُ الكـلامِ وخاطبَـتْ | عَيْنَـيَّ فِي لُغَـة الـهَوى عينـاكِ |
ومَحَوْتُ كلَّ لُبانـةٍ من خاطـري | ونَسِيـتُ كلَّ تَعاتُـبٍ وتَشاكـي |
لا أَمسِ من عمرِ الزمـان ولا غَـد | جُمِع الزمانُ فكـان يـومَ رِضـاكِ |
*** | |
لُبنانُ ، ردّتنـي إليكَ مـن النـوى | أَقـدارُ سَـيْـرٍ للـحـيـاةِ دَرَاكِ |
جمعَتْ نزيلَيْ ظَهرِهـا مـن فُرقـةٍ | كُـرَةٌ وراءَ صَـوالـجِ الأَفــلاكِ |
نـمشي عليها فوقَ كـلِّ فجـاءَة | كالطير فـوقَ مَكامِـنِ الأَشـراكِ |
ولو أَنّ بالشوق الـمزارُ وجدتنـي | مُلْقي الرحالِ على ثَـراك الذاكـي |
*** | |
بِنْـتَ البِقـاع وأُمَّ بَـرَ دُونِـيِّـها | طِيبي كجِلَّـقَ ، واسكنـي بَـرداكِ |
ودِمَشْقُ جَنَّـاتُ النعيـم ،وإنـما | أَلفَيْـتُ سُـدَّةَ عَـدْنِهِـنَّ رُبـاكِ |
قَسَماً لو انتمت الـجداول والرُّبـا | لتهلَّـل الفـردوسُ ، ثـمَّ نَمـاكِ |
مَـرْآكِ مَـرْآه وَعَيْنُـكِ عَيْـنُـه | لِـمْ يا زُحَيْلـةُ لا يكـون أَبـاكِ ؟ |
تلـك الكُـرومُ بقيَّـةٌ مـن بابـلٍ | هَيْهَـاتَ! نَسَّـى البابلـيَّ جَنـاكِ |
تُبْدِي كَوَشْيِ الفُرْسِ أَفْتَـنَ صِبْغـةٍ | للناظـريـن إلـى أَلَـذِّ حِـيـاكِ |
خَرَزاتِ مِسْكٍ ، أَو عُقودَ الكهربـا | أُودِعْـنَ كافـوراً مـن الأَسـلاكِ |
فكَّرْتُ فِي لَبَـنِ الجِنـانِ وخمرِهـا | لـما رأَيْتُ الـماءَ مَـسَّ طِـلاكِ |
لـم أَنْسَ من هِبَةِ الزمـانِ عَشِيَّـةً | سَلَفَتْ بظلِّـكِ وانقضَـتْ بِـذَراكِ |
كُنتِ العروسَ على مِنصَّة جِنْحِـها | لُبنانُ فِي الوَشْـيِ الكريـم جَـلاكِ |
يـمشي إليكِ اللّحظُ فِي الديباج أَو | فِي العاج من أَي الشِّعـابِ أَتـاكِ |
ضَمَّـتْ ذراعيْـها الطبيعـةُ رِقَّـةً | صِنِّيـنَ والحَـرَمُـونَ فاحتضنـاكِ |
والبـدرُ فِي ثَبَـج السمـاءِ مُنَـوِّرٌ | سالت حُلاه على الثـرى وحُـلاكِ |
والنيِّـرات مـن السحـاب مُطِلَّـةٌ | كالغِيـد من سِتْـرٍ ومـن شُبّـاكِ |
وكأَنَّ كـلَّ ذُؤابـةٍ مـن شاهِـقٍ ** ركنُ الـمجرَّةِ أَو جـدارُ سِمـاكِ | |
سكنَتْ نواحـي الليـلِ ، إلا أَنَّـةً | فِي الأَيْكِ، أَو وَتَر اًشَجِـيَّ حَـراكِ |
شرفاً ، عروسَ الأَرْز ، كلُّ خريـدةٍ | تـحتَ السماءِ من البـلاد فِـداكِ |
رَكَـز البيـانُ علـى ذراك لـواءَه | ومشى ملـوكُ الشعـر فِي مَغنـاكِ |
أُدباؤكِ الزُّهرُ الشمـوسُ ، ولا أَرى | أَرضاً تَمَخَّضُ بالشمـوس سِـواكِ |
من كـلّ أَرْوَعَ علْمُـه فِي شعـره | ويراعـه مـن خُلْقـه بـمِـلاكِ |
جمع القصائـدَ من رُبـاكِ ، وربّمـا | سرق الشمائلَ مـن نسيـم صَبـاكِ |
موسى ببابكِ فِي الـمكارم والعـلا | وعَصاه فِي سحـر البيـانِ عَصـاكِ |
أَحْلَلْتِ شعري منكِ فِي عُليا الـذُّرا | وجَمـعْـتِـه بـروايـة الأَمـلاكِ |
إن تُكرمي يا زَحْلُ شعـري إننـي | أَنكـرْتُ كـلَّ قَـصـيـدَةٍ إلاَّكِ |
أَنتِ الخيـالُ : بديعُـهُ ، وغريبُـه | اللهُ صـاغـك ، والـزمـانُ رَواكِ |