الغصن الذاوي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لَهْفي على غُصْنٍ ذوى قَهْرا | أودى ولـمّا يُنبِتِ الزَْهّرا |
غُصْنٍ نضيرٍ كان يبعث من | طيبِ الروائحِ حوله نَشْرا |
كُنّا نُؤمِّل أنْ يمدَّ لهُ | فَرْعاً فنرفع فوقه وَكْرا |
ويُرى نضارتُه إذا انبثقتْ | أوراقُه وبدتْ لنا خُضْرا |
فأتى عليه الدهرُ في قِصَرٍ | وقضى على آمالنا قَسْرا |
يا دهرُ ويحَكَ كم تُبيد ولا | يشفيكَ ما تجتزّه قهرا |
كم روضةٍ غَنّاءَ مُورقةٍ | أسدلتَ دون نعيمها سِترا |
وطويتَ غُصناً كان منبثقاً | وعريتَ عُوداً كان مُخْضَرّا |
يا دهرُ في جُنْح الدجى دُرَرٌ | منثورُها آياتُكَ الكبرى |
يكفيكَ لو أحصيتَها عدداً | البغضُ من حبّاتها الصُّغرى |
والحالُ يقضي أن تكونَ بها | في غبطةٍ لا تُضمر الشَّرّا |
واهاً فما يدعوكَ تأخذ كُلْ | ـلَ خَريدةٍ من أرضنا قهرا |
أتراكَ إنْ سألتْكَ والهةٌ | عمّا بدا تُبدي لها عُذْرا |
غصبتْ يدُ الأيامِ لؤلؤةً | كنّا نُؤمّلها لنا ذُخرا |
إن التي كانت لنا سَكَناً | يا نفسُ فاضت روحُها حَسْرى |
أودى بها الدهرُ الخؤونُ وَلَـمْـ | ـمَا تقضِ من عهد الصِّبا زَهْرا |
عاشت على مضضِ الحياةِ ولو | بقيتْ لما عرفوا لها قَدْرا |
ربّي قضيتَ بما قضيتَ فهل | ألهمتَ قلباً حَبَّها صبرا |
يا حبُّ كنتَ إذا لجأتَ بنا | تحنو عليكَ قلوبُنا شُكْرا |
لو غاب شخصُـك َعن نواظرنا | يوماً سكبنا الدمعَ مُحْمَرّا |
طابت لنا بوجودكَ الذكرى | واليومَ أندبُ نفسَكَ الحَرّى |
كنّا كغُصنَيْ بانةٍ حملتْ | من كلّ لونٍ زاهرٍ زَهْرا |
والعيشُ في روض المنى رَغِدٌ | في ظلّ سَرْحٍ ينثر الدُّرّا |
كنّا زماناً لا يُكاتمنا | أملٌ لأغراض الهوى سِرّا |
ما زالتِ الأيامُ تُنذرنا | والنفسُ تحسب عُرْفَها نُكْرا |
والشُّهْبُ في الظلماء ترصدنا | وتَعُدّنا ونَعُدّها دهرا |
حتى سكنَّ بنا على جدَثٍ | خَطّتْ عليه يدُ الردى سَطْرا |
للنفس ساعاتٌ تُسَرُّ بها | فتخال أنّ خلودَها يُشْرى |
لكنّها، والحقَّ قد جهلتْ، | في القبر تلقى الراحةَ الكبرى |
لا أنسَ نظرتَكِ التي بعثتْ | في القلب من آلامها جَمْرا |
أَأُخَيَّ قد أزف الرحيلُ فهلْ | تبكي لفقدكَ أختَكَ الصُّغْرى |
في ذِمّة الأيّامِ لؤلؤةٌ | مكنونةٌ أودعتُها القبرا |
ويحَ الجُسومِ الغُرِّ إنْ نزلتْ | بعد الأحبّةِ منزلاً قَفْرا |
يا ساكنَ الأجداثِ هل نبأٌ | يجلو حقيقةَ أمرنا جهرا |
حَدِّثْ بسرِّ الموتِ أنفسَنا | إن كنتَ مِمّنُ يُدرك السِّرّا |
يا حبُّ! خَبِّرْنا اليقينَ بأنْـ | ـنا سوف نحيا نشأةً أُخْرى |
والجسمُ إنْ زالت معالـمُهُ | فالروحُ تبقى بعده دهرا |
تبقى تحوم كطائرٍ غَردٍ | حتى تُقيمَ لنفسها وَكْرا |
عُودي إذن بالحقِّ راضيةً | مَرْضيّةً يُسِّرْتِ لليُسْرى |
وتَبَوَّئِي عرشاً حَباكِ بهِ | ربٌّ سما فوق النُّهى قَدْرا |
طوبى لها روحاً رأتْ كَدَراً | في عالمٍ يعثو بنا غدرا |
فمضتْ من الأوصاب سالمةً | تشدو بنعمة ربّها ذِكْرا |
يا ليلُ! لا تَمننْ عليَّ يداً | يا شمسُ! لا تُفشي لنا سِرّا |
إن الحِمامَ جلاءُ غامضةٍ | لا تبلغانِ لكُنْهها فِكْرا |
غمرَ الإلهُ بفيض رحمتهِ | لحداً حواكِ وعَظَّمَ الأَجْرا |
إنْ غَيّبتْكِ صحائفٌ فلقد | خَلّدتِ ما يُحيي به ذِكْرا |
سَقْياً لقبرٍ قد نزلتِ بهِ | وسقى ثراكِ سحائبٌ تَتْرى |