كانَ يُحِبُّ نوارسَ دجلة |
والسمكَ المَسْگُوفَ.. على الشطِّ |
وأورادَ الجوري.. تتفتّحُ – في الليلِ – |
كأوراقِ القلبِ |
على شُرفةِ محبوبتهِ الفارعةِ الطول |
كانَ يُحِبُّ أغاني "حسين نعمة" |
والمشيَ على أرصفةِ السعدونِ.. وحيداً |
تبهرُهُ أضواءُ الصالوناتِ.. وسِرْبُ السَيَّاراتِ المجنونةِ.. |
.. والسيقانُ.. ورائحةُ "الهمبرگر" |
كانَ يُحِبُّ نثيثَ الأمطارِ |
يُبَلِّلُ أثوابَ الفتياتِ |
فيركضنَ.. كغُزْلانٍ شاردةٍ |
نحو مظلَّتِهِ |
ويكركرنَ.. إذا راحَ يُغنِّي: |
"يا بو زبون الحَمَرْ… ومطرّز بإبرة |
كل الشرايع زلگ… مِنْ يَمِّنَه العبرة" |
آه… يا مطرَ الله |
تساقطْ |
حتى يمتليءَ العالمُ.. |
بالأزهارْ |
* |
وإذا جنَّ الليلُ.. |
اِحْتَضَنَ "الكَسْرِيَّةَ" |
ثُمَّ استقبلَ ليلَ الطُرُقاتِ.. نحيلاً |
كمصابيحِ الحارةِ |
أطلقَ صفّارتَهُ.. |
يجرحُ صمتَ مدينتِهِ الغافيةِ العينين.. {على} وَجَلٍ |
– نامي – بأمانٍ – يا أجفانَ الأطفالِ |
فَعَمُّكُمُ علوانُ الحارس.. يُشعِلُ عينيهِ بقلبِ الظلمةِ |
ويمرُّ على حارتنا.. |
بيتاً.. بيتاً |
– .. ها.. مصباحُ الصائغ…… لمْ يُطْفَأْ |
ما زالَ كعادتهِ.. حتى منتصفِ الليلِ.. |
يقلّبُ أوراقَ قصائدِهِ |
- لِمَ تعوي خلفَ خطايَ كلابُ الدربِ |
وتنسى أحلامي النجمةْ |
اللعنةْ! |
مَنْ لا يَعرِفُ علوان الحارس في منتصفِ الليلْ |
* |
أُبْصِرهُ.. يَدْلِفُ للمقهى |
مشتعلاً بعذاباتِ طفولتهِ |
مدرسةٌ طردتهُ… |
وكوخٌ.. من قصبِ البردي والطين |
وفانوسٌ يسعلُ في البردِ |
وأشياء أخرى.. |
يتّخذُ الآنَ.. برُكْنٍ منعزلٍ |
مقعدَهُ |
مرتشفاً كوبَ الشايِ – على مهلٍ – |
يتأمَّلُ من خلفِ زجاجِ المقهى |
موجَ الناسِ المتدافعَ نحوَ الفجرِ |
ينهضُ مبتسماً |
يغرقُ وسطَ زِحامِ الشارعِ |
مفتوناً.. بصباحاتِ الوطنِ المشمسِ |
………… والأزهارْ |
* * * |