أنهضهُ في أوانِ إنهاضِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أنهضهُ في أوانِ إنهاضِهِ | غيثٌ دعا طرفهُ بإيماضِهِ |
أبْرقَ برقاً كأن لائحهُ | من أُفقِ الخير نار حُرّاضِهِ |
فشدّ أنقاضه بأرحُلها | إلى غزيرِ النّوال فيّاضِهِ |
مشتركُ الحوضِ في الجميع إذا | ذادت عن الحوض كفُّ مُحتاضه |
ينزلُ أضيافُهُ بذي كرم | مُبصبِص الكلب غير عضّاضه |
يظلُّ يبكيهمْ إذا رحلُوا | بُكاءَ غَيْلان بنت فضّاضه |
سمحٌ ببذل القِرى سماحَ فتًى | سَلَّمَ عِرض القرى لعرّاضه |
لا يُشفق المستعيدُ نائله | من وشك إملاله وإعراضه |
يفرضُ ما اطَّوَّع الجواد وما | مُطوِّعو الجود مثلَ فُرّاضه |
لا يبذلُ الرّفد حين يبذُله | كمشتري الجودِ أو كمقتاضه |
بل يفعلُ العُرفَ حين يفعلُه | لجوهر العرفِ لا لأعراضِه |
يفديه قومٌ يتاجرون به | أغراضهُمْ فيه غيرُ أغراضه |
في وعده من نواله عِوضٌ | أملأُ شيء لكفّ معتاضه |
مُقلّمُ الدهر ما بدا ظُفرٌ | للدهر إلا انبرى بِمقراضِهِ |
إذا دعا الشِّعرَ مادحوه له | أقبل مُعتاصُه كمرتاضه |
أيسرُ ما يشكرُ القريضُ له | تسهيلهُ قرضَهُ لقرّاضه |
يمّمه بالمديح شاعرهُ | طريدَ إملاقه وإنفاضه |
يرجُو لديه غِنى يحطُّ به | رِحاله عن ظُهورِ أنقاضِه |
كُفِّي من الدَّمع يا مثبِّطتي | عن زمِّ سامي التَّليل نهّاضِه |
قد يُقعِد المرءَ طولُ رحلتِه | ويُصمتُ الرَّحل طولُ إنقاضه |
كم تقنعُ النفس بالكفافِ وكم | تتركُ خوضَ الغِنَى لخُواضه |
لي هِمة ٌ لم يكن ليرويها | إلا من البحرِ بعضُ أحواضه |
حان رحيلي إلى أبي حسنٍ | مُبرمِ إقليمه ونقّاضه |
حكيمه المقتدى بحكمته | طبيبه المرتَجى لأمراضه |
سائس تدبيره ورائِضه | كخير سُوَّاسه وروَّاضه |
حُوّله في الخطوبِ قُلّبه | حيّته في الدهاء نَضْنَاضه |
صاحِب شورى الملوك مفْزعهم | إليه في الخطب عند إرْماضِهِ |
إذا استشاروه جاءَ من كَثبٍ | بزُبدة الرأي دون مخاضه |
تكلؤُهم منه في مضاجِعهم | عينا رُواعِ الفؤاد نبّاضه |
يرعى عليهمْ أُمورَ مملكة ٍ | قامتْ بإخلاله وإحماضه |
يُلطفُ كيد العدى ويُغْمضُه | طبّا بإلطافه وإغماضه |
لو فتكتْ مرة ً مكائِدُهُ | بالدهر أنستْه فتك برّاضه |
مكائدٌ لو رمى بها جبلا | صارت جلامِيدُه كرضراضه |
مِدره أهلِ الصلاة كم دُحِضتْ | للكفر من حجة ٍ بإدحاضه |
يُردى بمِرْدى من الحِجاج له | دمّاغ رأس الضلالِ هضّاضه |
حسبُ أخي جُنَّة ٍ بكيّته | وحسبُ ذي عُرّة بخضخاضه |
يُثني عليه بذاك حاسدُه | على مُعاداته وإبغاضه |
سابق مضمار كلّ مكرمة ٍ | أعيتْ على راكضٍ وتركاضِه |
يدرك ما تُوفض السعاة ُ له | من المعالي بدون إيفاضه |
أصبح كالكُل من جلالته | وسائرُ الخلق مثلُ أبعاضِه |
إن لم يعبهُ بذاك عائبُه | فما له عائبٌ ولا عاضه |
لولا عليُّ العِلا ومِنّتُهُ | غادرني الدهرُ بعض أحراضه |
أنهضني بعدما رزَحْتُ وكمْ | من رازحٍ ناهضٍ بإنهاضه |
يا حاسدي لا خلوتَ من حسدٍ | حظكَ منه أليمُ إمضاضهِ |
أعتبني الدهر بعد معتِبهِ | فغاضب الدهر فيّ أوراضِه |
زرتُ ابن يحيى الذي يؤمِّلُه | كلُّ أجبّ السَّنام مُنتاضِه |
فردّني مُثرياً وفضفض لي | عيشي وقد كنتُ غيرَ فضفاضِه |
ومهّدتْ مضجعي يداهُ فقد | لاءمَ جنبيّ بعد إقضاضه |
وماصَ عِرضي فردّهُ يققا | كالثوب أنقتُه كفُّ رحّاضه |
لمّا بدا لي بشيرُ غُرته | وراع دهري نذيرُ إنباضه |
أقبلَ حظي عليّ مبتسماً | من بعد تعبيسِهِ وإعراضه |
وظلّ دهري له مُلاوِذَهُ | من خوف سهم الرّدى ومقراضه |
لا تعدم الدهرَ يا أبا حسنٍ | جبرَ كسير الجناح منهاضِه |
كفُلتَ هذا الأنام تُقرضُهُم | عُرفاً إلى الله شكرَ إقراضه |
حتى كفلتَ الفِراخ كامنة ً | في البيض قبل انقياض مُنقاضه |
تكدحُ للناس كدحَ مجتهدٍ | ركّابِ ظهرِ الدُؤوبِ ركّاضه |
خَفَضْت فيهم جناح مَرحمة ٍ | قد قلّ جدا عديدُ خُفاضه |