قالوا عساك مرجَّمٌ فتبيَّنِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
قالوا عساك مرجَّمٌ فتبيَّنِ | هيهات ليس بناظري إن غرَّني |
هي تلك دارهمُ وذلك ماؤهم | فاحبس وردْ وشرقتَ إن لم تسقني |
ولقد أكاد أضلُّ لولا عنبرٌ | في الترب من أرج الحبائب دلَّني |
فتقوا به أنفاسهن لطائما | وظعنَّ وهي مع الثرى لم تظعنِ |
يا منزلا لعبت به أيدي الصَّبا | لعبَ الشكوك وقد بدت بتيقُّني |
إمَّا تناشدني العهودَ فإنها | حفظت فكانت بئس ذخرُ المقتني |
سكنتكَ بعدهم الوحوش تشبّها | بهمُ وليتك آنفا لم تسكنِ |
لعيونهنّ علامة ٌ سحريّة ٌ | عندي فما بال الظباءِ تغشُّني |
أزمانَ أنفق من شبابي مسرفا | والعيش أعمى عن صروف الأزمنِ |
ندمانَ كلِّ فصيحة ِ التأنيث لو | خطبتْ لتنعتَ حسنها لم تحسنِ |
تمشى قناة ً ثم يذكر قدّها | أن التثني للقضيب فينثني |
لله ما تلك الغصون لو أنها | غرَ الخديعة أثمرت للمجتنى |
نفض الصِّبا أو راقه وأعادني | خوطَ اليراعة كيف يعجم ينحني |
إني لأعلم قبل فضِّى ختمه | ما في كتابٍ بالمشيب معنونِ |
مالي عن الدنيا حلمتُ ومكرها | أنَّى التفتُّ مطالعي من مكمنِ |
أبدا رقاها تستثير تذلُّلي | فكأنها ملسوعة ٌ بتصوّني |
حتى لأنساني الدجى ما لونُها | أو كاد ريبُ زماني المتلوّنِ |
قالوا متاجرهُ رهينُ خسارة ٍ | إن صافقتْ يده يدي فليغبنِ |
حاشى طلابي أن أعمَّ به وقد | خصّ السماحُ بموضعٍ متعيِّنِ |
يا حظُّ قم فاهتف بناحية ِ الغنى | فيالرَّى وارحم كدَّ من لم يفطنِ |
وأعن على إدراكها فبمثلها | فرّقتُ بين موفَّق ومحيَّنِ |
لمن الخليط مشرِّقٌ ومضمانهُ | رزقٌ لنا في غيره لم يؤذنِ |
اشتقتُ يا سفنَ الفلاة فأبلغي | وطربتُ يا حادي الركابِ فغنِّني |
وانهضْ فرحِّلْ يا غلامُ مذلِّللا | تتوعَّر البيداءُ منه بمدمنِ |
يرضى بشمّ العشب إما فاته | والسير يأكل منه أكلَ الممعنِ |
مرح الزمامِ يكاد يصعبُ ظهره | فتصيح فاغرة الرحال بهلنِ |
الرزقُ والإنصافُ قد فقدا فلذْ | بالريّ واستخرجهما من معدنِ |
وإلى أبي العباس حافظِ ملكها | سهلَ الأشدُّ ولان خبثُ الأخشنِ |
يا موحدا عدم النظيرَ كناية ً | إني متى أذكرك باسمكِ أجبنِ |
لا ينسينْ ملكٌ ضمنتَ بقاءه | بالأمس غمدك منه سيفَ المقتني |
كانت جحيما وهي تحسبُ جمرة ً | حتى غضبتَ فقال موقدها اسكني |
جاءوك جمعَ الصوت حولَ مرجم | لم تخترق سمعيه زجرة ُ أيمنِ |
عدَّ الكثيرَ ولم يطرْ بحسابه | ما بين موثوقٍ به ومخوَّنِ |
وأطاع رأيا جاهلياً لو رأى | آياتِ غيرك حجّة ً لم يوقنِ |
حتى طلعتَ فكنتَ شمسا مزَّقتْ | بيد الشَّمال ضبابَ يومٍ مدجن |
نحلوكَ سابقة ً بصهوة مثلها | طاف الأمانُ بمعقل المتحصّنِ |
بهماءَ إلا نقطة ٌ فكأنما | نبلتْ بسهمٍ في الجبين مقطَّنِ |
عوّدتها خوضَ الدماء فإن تدسْ | يبسَ الترابِ ولم تقم بك تصفنِ |
لما رأوك تفرّقت أرواحهم | فكأنما عرفتك قبلَ الأعينِ |
ألقِ السلاحَ فقد غنيت سعادة ً | عن حمله واضربْ بجدِّك واطعنِ |
فإذا هممتَ بأن تفلَّ كتيبة ً | لا قيتها فتسمَّ فيها واكتنِ |
وقفَ الجمالُ عليك كلَّ فضيلة ٍ | قادت لك الأهواءَ قيدَ الأرسنِ |
وعددتَ وحدك سيِّدا فمتى تزدْ | في اللفظ تثنية ً له لا ينثني |
لا ينكرنَّ حسودُ ملكك ما رأى | فاللهُ أعلمُ ما اجتبى وبمن عني |
صلَّت عليك وقد ذُكرتَ مدائحي | والناسُ بين مذمَّمٍ وملعَّنِ |
اقرأ على بعد المسافة بيننا | ولو استطعتُ القربَ قلتُ لك ائذنِ |
قولاً يقرُّ الحقَّ منه مقرّه | ويردّه ما لم يكن بمبرهنِ |
مما أبثُّك أننا في أرضنا | لا يُذكرُ الإحسانُ غيرَ مؤبَّنِ |
في معشرٍ إن جاد قولة َ مظهرٍ | منهم فتى ً لامته نيّة ُ مبطنِ |
خشنتْ جعادُ أكفِّهم فكأنما | في اللؤم صيغت من طباع الأزمنِ |
لم يبق غيرك من يقالُ مؤمَّلٌ | أو يتبعُ الداعي له بمؤمِّنِ |
كرمٌ شملتَ به وعدلُ سحابة ٍ | سوَّى الأجمَّ بنانها بالأقرنِ |
أشكو ظماى وليس غيرك ساقيا | فامدد يديك على البعادِ فروّني |
واسمع فإن عزبتْ فلم تسمع لها | أختاً لها في مادحيك عرفتني |
هي قِبلة ٌ صلَّى القريضُ لها فمن | لم يعنُ منه لها فليس بمؤمنِ |
لولا ثناؤك ما امتننت بوصلها | والمرءُ يقدحُ في صفاة المحسنِ |
ثمِّنْ بها الأرباحَ فهي بضاعة ٌ | ما زلتُ أذخرها لعلقٍ مثمنِ |
كان الزمانُ لأن أشافه ضامنا | فأعاضَ منه بأخرسٍ متضمّنِ |
ولئن أعنتُ لأتلونهُ مصليِّا | ولأطلعنَّ عليك إن أنهضتني |
ما بالأديب إذا تغرَّبَ ذلَّة ٌ | إن الخصاصة َ غربة ٌ في الموطنِ |
قعد الغنى عنّى فقم بي مرغما | أنف الزمان وأغنني تتملَّني |
وإن اجتديتُ سواك بعدُ فجازني ال | حرمانَ إنّ القتلَ حدُّ المحصَنِ |
عاقت خواطري الهمومُ وخالفتْ | نوبٌ على الفكر الغزيرِ عصينني |
فلو اتبعتُ لغير مدحك لفظة ً | عنها أقرِّر خاطري لم يُذعنِ |
قبضَ الجلوسُ يديّ عن أمنيَّتي | إن الظُّبا مأسورة ٌ في الأجفنِ |
وإذا قلوبٌ قارعت أحزانها | ظهر الفلولُ على غروب الألسنِ |
ما فات حظّي أنّ مثلي ممكنٌ | لكن كثرتُ على الزمان فملّني |
يا من رآني قبلَ أحمدَ سائلا | قوماً يقول جوادهم لي عدَّني |
كبر الرجاءُ اليومَ عن أقدارهم | فطغى وأبزلَ بعدك الأملُ الثَّني |