رقَّ لبغدادَ القضاءُ والقدرْ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
رقَّ لبغدادَ القضاءُ والقدرْ | وعطفَ الدَّهرُ عليها وأمرْ |
وامتعضَ المجدُ لها من طولِ ما | حاقَ بها الضَّيمُ فثارَ وانتصرْ |
وضحكَ المزنُ إلى ربوعها | والعامُ قدْ قطَّبَ فيها وكشرْ |
فهي ومنْ يحملهُ ترابها | عازبة ٌ راحتْ ومنهاضٌ جبرْ |
عادَ الحيا إلى الثرى فربَّهُ | وفتقَ الصُّبحُ الظَّلامَ ففجرْ |
ونطقتْ خرسُ العلا فأبصرتْ | عمياؤها وسمعتْ وهي وقرْ |
فليهنها ما أثمرَ الصَّبرُ لها | والصّبرُ في إمرارهِ حلو الثَّمرْ |
قصركِ يا خابطة َ اللَّيلِ بنا | لا بدَّ لليلِ الطَّويل منْ سحرْ |
تنفَّسي مبصرة ً وانفرجي | فطالما غمَّ دجاكِ واعتكرْ |
هذا الوزيرُ وأخوهُ فأسفري | قدْ ردَّتْ الشَّمسُ عليكِ والقمرْ |
نجمانِ ما غابا لسعيٍ ماجدٍ | في الأفقِ إلاَّ طلعا مع الظَّفرْ |
وجاريانِ سابقٌ بنفسهِ | إلى المدى ولاحقٌ على الأثرْ |
تشابها والكفُّ مثلُ أختها | والزِّندُ مثلَ الزِّندِ مرخاً وعشرْ |
متى تطلْ منْ شرفِ الدِّينِ يدٌ | تجدْ كمالَ الملكِ عنْ أخرى حسرْ |
كلتا اليمنينِ قياسٌ للعلا | ذا ذرعَ الأفقَ بها وذا شبرْ |
ومنْ يرَ ذا ورداً وذاكَ قرباً | لهُ يقلْ ذا العشبُ من ذاكَ المطرْ |
دوحة ُ مجدٍ صعبتْ عيدانها | على العدا أنْ تختلى وتهتصرْ |
سقى النَّدى عبدُ الرَّحيمِ ساقها | وحاطَ أيِّوبُ عليها وحظرْ |
وحملتْ مثقلة ً فأثمرتْ | مذكرة ً فولدتْ كلَّ ذكرْ |
قومٌ أقاموا الدَّهرَ وهو عاثرٌ | حتى مشى يختالُ عنهمْ وخطرْ |
وأدركوا أيامهمْ بهيمة ً | مغفلة ً شياتها حصَّ الشَّعرْ |
فاعتلقوا جباهها وسوقها | وطلعوا منَ الحجولِ والغررْ |
كلُّ غلامٍ إن عفا وإنْ سطا | أمَّنَ بينَ الخافقينَ أو ذعرْ |
أروعُ لا تجري الخطوبُ إن نهى | خوفاً ولا يقضي القضاءُ إن أمرْ |
نالَ السَّماءَ مدرَّجاً في قمطهِ | وفاتَ كلَّ قارحٍ وما اثَّغرْ |
لمْ يأخذْ السوددَ حظَّاً غلطاً | ولا العلا مغتصباً أو مقتسرْ |
ما سارَ في كتيبة ٍ إلاَّ حمى | وما متطى وسادة ً إلاَّ وزرْ |
قدْ صدعَ اللهُ بكمْ معجزة ً | في الأرضِ ليستْ في محلاتِ البشرْ |
فأرشدَ المستبصرينَ بكمُ | لو كانَ يغني القلبُ أو يغني البصرْ |
وأعلمَ الملكَ المدارَ أنَّهُ | بغيرِ قطبٍ منكمُ لا يستقرْ |
وأنَّهُ حبلٌ وليتمْ فتلهُ | فكيفما أبرمهُ النَّاسُ انتسرْ |
أما كفاهُ إن كفاهُ واعظٌ | بيانُ ما جرَّبَ منكمْ واختبرْ |
وكيفَ لمَّتْ وهي في أيديكمُ | طينتهُ وانحلَّ في أيدٍ أخرْ |
كمْ غارَ من بعدِ الغرورِ مدة ً | بغيركمْ أما يغارُ من يغرْ |
بلى على ذاكَ قدْ بانَ لهُ | فرقانُ ما بينَ الرِّجالِ فظهرْ |
ونصحتهُ نفسهُ لنفسهِ | فشاورَ الحزمَ وأحسنَ النَّظرْ |
فقابلوا هفوتهُ بحلمكمْ | فمثلكمْ إن كانَ ذنبٌ من غفرْ |
واستدركوا بسعيكمْ حفيظة ً | من أمرهِ ما شعبَ العجزُ وجرّ |
فهو الذي درَّ على إيمانكمْ | قدما لهُ خلفَ الصِّلاحِ وغزرْ |
وإنْ غنيتمْ لغنى أنفسكمْ | عنْ رغبة ٍ فهو إليكمْ مفتقرْ |
إنَّ العراقَ اليومَ أنتمْ قطبهُ | لولاكمُ مدبِّرينَ لمْ يدرْ |
قدْ حبستْ عليكمُ سروجهُ | منْ غابَ في حماتكمْ ومنْ حضرْ |
أنتمْ غذا ضيمَ سيوفُ نصرهِ | وأنتمْ ربيعهُ إذا اقشعرّ |
إذا قربتمْ ضحكتْ عراصهُ | وابيضَّ وجهُ العدلِ فيها وسفرْ |
وإنْ نأيتمْ كانَ في انتظاركمْ | كأنكمْ فيهِ الإمامُ المنتظرْ |
فعالجوا أدواءهُ بطبِّكمْ | قدْ حفرَ الجرحُ الذي كانَ عقرْ |
لمْ يبقَ إلاَّ رمقٌ فابتدروا | إمساكهُ والغوثَ إنْ لمْ يبتدرْ |
يا قاتلَ الجدبِ انتصرْ وقدْ بغى | بعدكَ عامُ المحلِ فينا وفجرْ |
كمْ تمطرُ الشَّهباءُ عنكَ بالحيا | قدْ صرَّحتْ كحلٌ وصابتْ بقرْ |
أمددْ بيمناكَ على مجدٍ عفا | خصباً وجدِّدْ رسمَ جودٍ قدْ دثرْ |
أقدمْ على السَّعدْ إلى الصَّدرِ الذي | أوحشتهُ فانهضْ بوردٍ وصدرْ |
واضفُ على الدَّولة ِ ظلاًّ سابغاً | تسحبهُ سحبكَ هدَّابَ الأزرْ |
دعْ كبدَ الغيظِ على أعدائها | ودعْ لأوليائها حزَّ الأشرْ |
قدْ أكلتْ أكفَّها نواجدٌ | يومَ لكَ الأمرُ استقامَ واستقرْ |
ودويتْ بما أشرتْ وطوتْ | أفئدة ً بكَ بالسُّوءِ تأتمرْ |
منَهمُ فربعوا منْ ظلعٍ | على رضاً بادٍ وسخطٍ مستترْ |
فلا يزلْ وأنتَ حيٌّ خالدٌ | نأيهمْ حتى يسدُّونَ الحفرْ |
ولا تنلْ ملككَ إلاَّ شللاً | يدُ الزَّمانِ وتصاريفُ الغيرْ |
اذكرْ وصفْ كيفَ ترى بشائري | في مجدكمْ إنَّ الكريمَ من ذكرْ |
حدِّثْ بآياتي وقلْ بمعجزي | وخبري عنْ كلِّ غيبٍ مستترْ |
هذا الذي جرتْ بهِ عيافتي | لكمْ وطيري ذو اليمينِ إذ زجرْ |
وكيفَ لا تصدقُ فيكمْ نذري | وأن في مديحكمْ أبو النُّذرْ |
ومددُ العيشة ِ لي منْ فضلكمْ | وحظَّكمْ حظَّي منْ خيرٍ وشرّ |
قدْ عرقَ الزَّمانُ لحمي بعدكمْ | ببعدكمْ وأحرقَ العظمُ وذرّ |
ولمْ يدعْ لي غمزهُ جارحة ً | إلاَّ وفيها غمزُ نابٍ وظفرْ |
تنبذني في حبِّكمْ نواظرٌ | وألسنٌ منبذة َ النَّضوِ المعرّ |
أرجو نداهمْ ضلَّة ً وعطفهمْ | كما رجتْ قحطانُ ودَّاً في مضرْ |
أرجعُ عنْ زيارتي في يسرهمْ | إلى محلٍّ عامرٍ من العسرْ |
فافتقدوا شلواً لكمْ بقاؤهُ | ومنكمْ إن فاتَ أو مرَّ يمرّ |
لسانكمْ وكلُّ منْ ينطقكمْ | سواهُ معقولُ اللِّسانِ أو مجرّ |
قدْ بلغَ المفصلَ مني جازري | فاللهُ فيَّ أنْ يحزَّ ماجزرْ |
لمْ تبقَ فيَّ بعدكمْ بقيَّة ٌ | يرجى لها رفدُ غدٍ وينتظرْ |
فاقضوا ديونَ جودكمْ في خلَّتي | فقدْ قضى شعري فيكمْ ما نذرْ |