جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ | و طاب ما حدثَ عنها الرائدُ |
فخلها راتعة ً مجرورة ً | وراءها الأرسانُ والمقاودُ |
يخلفُ ما استسلفَ من جراتها | كهلٌ أثيثٌ ومعينٌ باردُ |
حيثُ المغيرُ لا ينالُ فرصة ً | منها ولا يطمعُ فيها الطاردُ |
تذبُّ عنها من سماتِ ربها | صوارمٌ ليس لها مغامدُ |
إذا بدت في عنقٍ أو حاركٍ | فهي عليها أعينٌ رواصدُ |
و نمْ فقد حرمها هذا الحمى | و ضمها وهي دخان شاردُ |
و أعجزَ الناسَ جميعا رعيها | فاليومَ يرعاها جميعا واحدُ |
أروعُ لا يغلبه المكرُ ولا | تدبُّ في حريمه المكايدُ |
أعارها عينا فكانت عوذة ً | لها وشيطانُ الزمان ماردُ |
أفرشها كافي الكفاة ِ أمنهُ | فالظلُّ سكبٌ والنسيمُ باردُ |
دانَ بتاجِ الحضرة ِ الدهرُ لها | و حلَّ حبلَ الذلَّ عنها العاقدُ |
و صدقتْ أن الربيعَ بعدها | بوارقٌ من يده رواعدُ |
غاصتْ غصونُ المجد تحتَ مائها | فأورقَ الذاوي وقام المائدُ |
و ضحكَ القاطبُ من وجه الثرى | و سالَ وادي المكرماتِ الجامدُ |
و بشرَّ الفضلُ بقايا أهلهِ | لا تقنطوا في الناسِ بعدُ ماجدُ |
نقل لأبناء الطلاب والمنى | و الحاجِ ضاقتْ بهم المقاصدُ |
يتاجرون المجدَ فتخيسُ في | أيديهم البضائعُ الكواسدُ |
تضمكم حنوتهُ وأنتمُ | عزونَ في الآفاق أو بدائدُ |
زمَّ الأمور فلوى أعناقها | ساعٍ إلى الغايات وهو قاعدُ |
و دبرّ الدنيا على علاتها | فصلحتْ والدهرُ دهرٌ فاسدُ |
ماضٍ له من عزمه مجردٌ | يذبُّ من جهلِ الزمانِ غامدُ |
يرى بوجهِ اليوم صدرَ غدهِ | تعطيه ما في المصدرِ المواردُ |
لا يأخذ التدبيرَ إلا من علٍ | فالناسُ ينحطونَ وهو صاعدُ |
رأى انتهاءَ مجدهِ مبتدأً | لما أعانَ الكفَّ منه الساعدُ |
أسهرهُ حبُّ العلا منفردا | و هو على ظنَّ العيون راقدُ |
جدَّ وقارا والزمانُ هازلٌ | و جادَ عفوا والسحابُ جامدُ |
و لاحَ في الملك شهابا فوري | زنادهُ والملكُ نجمٌ خامدُ |
منتصرا بنفسه لنفسه | كاليث يشري مالهُ مساعدُ |
لا يملكُ الحفظُ عليه أمرهُ | و لا تفري حلمه الشدائدُ |
ينهضه الكمالُ من اثقالهِ | بأوسقٍ تلفظها الجلامدُ |
مدَّ على الدولة ِ من جناحه | ما مدَّ عطفا لبنيه الوالدُ |
حتى استقامتْ وهي بلهاءُ الخطا | عمياءُ ما بين يديها قائدُ |
كم قدمٍ قبلكَ قد زلتْ بها | ضعفا وكفًّ لم يعطها الساعدُ |
و ضابطٍ لم يغنهِ لما طغتْ | أدواؤها التجريبُ والعوائدُ |
يحرسها وليس من حماتها | مثلُ الشغا ينقصُ وهو زائدُ |
جاءت على الفترة ِ منه آية ٌ | معجزة ٌ قامت بها الشواهدُ |
موهبة ٌ فاجئة ٌ لم تحتسبْ | و لم توفهْ بها المواعدُ |
كنتَ خبيئا ترقبُ الأيامُ في | إظهارهِ الميقاتَ أو تراصدُ |
كالنارِ في الوند تكون شررا | بالأمس وهو اليومَ جمرٌ واقدُ |
فأبرزتك للعيونِ كوكبا | يزهرُ لم تجرِ به العوائدُ |
يفديك محظوظون وجهُ عجزهم | بغلطِ النعمة فيهم شاهدُ |
قد سرق الدهرُ لهم سيادة ً | ليس لها من المساعي عاضدُ |
تنافرُ الأقلامُ عن أيمانهم | و تقشعرُّ منهم الوائدُ |
لم ينظموت المجدَ كما نظمتهُ | و لا حلتْ عندهم المحامدُ |
و لا أعان طارفا من حظهم | مجدُ أبٍ مثلِ أبيك تالدُ |
و خيرُ من شاد الفخارَ رافعٌ | أسرتهُ لما بنى قواعدُ |
و بعضُ علياءِ الفتى مكاسبٌ | بنفسه وبعضها موالدُ |
و ليهنكَ الأمرُ الذي ذلَّ به | لك العزيزُ وأقرّ الجاحدُ |
ولانَ في يديك منهُ مرسٌ | ملاوذٌ من رامهُ محايدُ |
ينقصُ من قدرك وهو فاضلٌ | على وسيعات الأماني زائدُ |
و مشرفاتٌ فضلٌ لبستها | تزلقُ عنها المقلُ الحدائدُ |
كلبدة ِ الليثِ سطا وحسنها | كالوشي تكساهُ الدمى الخرائدُ |
لو كانت الأفلاكُ أجسادا لما | كان لها من مثلها مجاسدُ |
باطنة وظاهر جمالها | فالحسنُ منها غائبٌ وشاهدُ |
تسحبها في الأرضِ ولفخرها | معالقٌ في الجوّ أو معاقدُ |
و كالسماء عمة ٌ صبغتها | قد جاءها من الزمان وافدُ |
مقدودة ٌ منها ومن نجومها | في طرفيها سائرٌ وراكدُ |
إن لم تكن تاجاً فقد أكسبها | نورك ما لم يكسَ تاجاً عاقدُ |
و ضاربٌ إلى الوجيهِ عرقهُ | بأربع تشقى بها الأوابدُ |
من اللواتي نصرتْ آباءها | في السبق أمهاتها الردائدُ |
و صبحتها بالصريفِ علباً | قبلَ عيالِ ربها الولائدُ |
خاضَ الظلامَ فاهتدى بغرة ٍ | كوكبها لمقلتيه قائدُ |
يجاذبُ الريحَ على الأرض ومن | قلائدِ الأفقِ له قلائدُ |
حليٌ من التبرِ إذا خفَّ بها | أثقلَ فهو تحتها مجاهدُ |
ينصاعُ كالمريخ في التهابهِ | و أنت فوق ظهره عطاردُ |
غرائبٌ من الحباءِ جمعتْ | بها لك الفواركُ الشواردُ |
تبرعَ الملكُ بها مبتدئا | و كلُّ بادٍ بالجميل عائدُ |
قد كنتُ عيفتُ لك الطيرَ بها | مستيقظا والحظ بعدُ هاجدُ |
و برقتْ لي في المنى سيوفها | من قبلِ أن تبرزها المغامدُ |
علما بما عندك من أداتها | و أنها سيفٌ وأنت ساعدُ |
فلم يخنيَّ فارسُ الظنَّ ولا | غرتني المخايلُ الشواهدُ |
و بعدُ لي فيك رجاءٌ ناظرٌ | إلى السماء وحسابٌ زائدُ |
حتى يشقَّ للزمان رمسهُ | و أنت باقٍ والعلاءُ خالدُ |
بك استقاد الفضلُ ودماؤه | مطلولة ٌ وعزَّ وهو كاسدُ |
نصرتهُ والناسُ إما جاهلٌ | بحقه أو عارفٌ معاندُ |
و رشتَ من أبنائه أجنحة ً | طار حصيصا ريشهُ البدائدُ |
تعطي وأنت معدمٌ وإنما | يعطي أخوك البحرُ وهو واجدُ |
زرعتَ عندي نعمة ً سالفة ً | أنت لهذا الشكر منها حاصدُ |
عطفا على ذكرى ووصفا فخرهُ | باقٍ عليَّ والزمانُ بائدُ |
و نظرا بدأتني برأيه | لو أن باديه إليّ عائدُ |
لكن أردتَ الخيرَ لي ودونه | حوائلٌ من زمني حوائدُ |
فهل لأرضى لك أن تبلها | على الجدوب سحبك الجوائدُ |
غرستُ منك بالولاء والهوى | غرسا فماذا أنا منه حاصد ُ |
أنظر فقد قدرتَ في مظلمة ٍ | كنتَ على إنصافها تعاهدُ |
و اقض ديونَ المجد فيها وارعَ لي | ما تقتضي الأواصرُ التوالدُ |
و لا تكن حاشاك من معاشرٍ | تخذلُ أقوالهم العقائدُ |
كانوا يدي وريحهم راكدة ٌ | و أسرتي والحظُّ عنهم عاصد |
فحين هيت عاصفا رياحهم | قلَّ الوفيُّ ونأى المساعدُ |
غنيتُ أنْ أسكرني جفاؤهم | و في غنائي لهمُ عرابدُ |
و بخلاء لا تهنا نعمة ٌ | همُ اليها السبلُ والمقاصدُ |
إذا كرمتَ لؤموا سفارة ً | و إن قربتَ فهمُ أباعدُ |
تغالقُ الأرزاقُ أيمانهمُ | تضجُّ من مطلهم المواعدُ |
لا يرتجى حكمُ القريض بينهم | و لا يخاف اللغوُ والعرابدُ |
و كيف أبغى في النبيط منهمُ | و العجمِ أن تنفعني القصائدُ |
تلافَ بالفضل الوسيعِ ما جنى | مسلمهم عليّ والمعاهدُ |
حاشاك يشقى واحدٌ بفضلهِ | على زمانٍ أنتَ فيهِ واحدُ |
قد طال صوني سمعك المشغولَ عن | بثك ما ألقى وما أكابدُ |
و نقبتْ جسمي وقلبي صابرٌ | من زمني نيوبهُ الحدائدُ |
و لم يدعْ تحت الخطوب فضلة ً | فيّ تدبُّ نحوها الأوابدُ |
و أعوزَ المقامُ أن أسطيعهُ | و سددتْ عن سيريَ المقاصدُ |
أيقتلُ الزمانُ مثلي هدرا | و أنت ثأري والزمانُ عامدُ |
أنت بفضلي شاهدٌ فلا أمتْ | هزلاً وتضييعا وأنت شاهدُ |
أكدْ مع الإثقالِ نحوي نظرة ً | تنعشني لحاظها الردائدُ |
لعلها يا خيرَ من يدعى لها | تصلحُ شيئا هذه المفاسدُ |
و ابتعْ بها الشكرَ فعندي عوضٌ | تضمنهُ القواطنُ الشواردُ |
كلّ مطاعٍ أمرها مسلطٌ | في الشعر ملقاة لها المقالدُ |
سائرة تنشرها الركبانُ أو | عامرة بذكرها المشاهدُ |
ترى الكلامَ عجزاً وطرفاً | و كلها وسائطٌ فرائدُ |
إذا رأتْ عرض كريمٍ عاطلا | فهي له العقودُ والقلائدُ |
تحملُ من وصفك ما يحملهُ | عن روضة الحزنِ النسيمُ الباردُ |
طالعة بها التهاني أنجما | ما كرّ نوروزٌ وعيدٌ عائدُ |
يفنى بنو الدنيا وأنت معها | باقٍ على مرّ الزمان خالدُ |
تبقى عليك والذي نأخذهُ | من الجزاءِ مضمحلٌ بائدُ |
محامدٌ يحسدك الناسُ لها | و الناسُ إما حامدٌ أو حاسدُ . |