أطوف على ذاتي بكاسات خمرتي
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
أطوف على ذاتي بكاسات خمرتي | واستمع الألحان في حان حضرتي |
وأنفخ مزماري وأصغي لصوته | وأضرب دفي حين ترقص قينتي |
وأنشق من روضي نسيم حقائقي | ويسرح طرفي في حدائق نشأتي |
وعندي إلى رؤيا جمالي تشوق | كثير وما عشقي لغير حقيقتي |
ويا لهف أحشائي على حسني الذي | فؤادي به صب ويا فرط لوعتي |
أحن إلى ذاتي صباحا وفي المسا | وغاية قصدي في العوالم رؤيتي |
وقد وعدتني اليوم نفسي بوصلها | غدا متى مني تقوم قيامتي |
وأرفع عن وجهي خماري مجردا | ثيابي عن ذاتي وأهتك سترتي |
أبى الحب إلا أن أكون مولها | بقلب على طول النوى متفتت |
وشوق كثير واصطبار ممنع | وسقم وأشجان علي شديدة |
وإني لأرجو من حقيقتي اللقا | وأطلب منها أن أفوز بنظرة |
فلا عجب أن بحت بالسر للورى | وعربدت في هذا الوجود بسكرتي |
وتهت بمحبوبي على كل ناسك | وغبت عن الأكوان بل عن هويتي |
وعندي انتظار كل يوم وليلة | إلى رؤيتي بل كل وقت وساعة |
وما أنا إلا من أحب وإن من | أحب أنا من غير شك وشبهة |
أردت ظهوري لي وما كنت خافيا | فطورت في الأطوار من كل صورة |
وقد كنت قدما في عمى ليس فوقه | ولا تحته أيضا هواء بوحدة |
وللقلم الأعلى تنزلت من يدي | وللوح حتى للذوات الكثيرة |
وقد كنت عرشي واستويت عليه من | قديم زماني في الوجود برحمتي |
ومنه إلى الكرسي تنزلت بل إلى | سمواتي السبع الطباق العلية |
وطورت أملاكي فلي كنت عابدا | وطورت أفلاكي فدارت بقدرتي |
وعذت نجوما مشرقات على الورى | أزيد ضياء في ظلام الدجنة |
وطورت شمسا في طلوع نهاركم | وما الليل إلا من نتائج غيبتي |
وصرت هلالا تحسبون الشهور بي | وأجلو عليكم ضوء شمس الظهيرة |
وقد صرت أياما لكم ولياليا | ودهرا وساعات وكل دقيقة |
وطورت شكل الجان في الأرض قبلكم | وجئت لهم رسلا لإبلاغ حجتي |
وقد كنت تكذيبا لرسلي منهم | فصرت لهم أوفي هلاك ونقمة |
وفي كل أطوار الشياطين بينكم | ظهرت بوسواس لأصحاب شقوة |
وطورت في شكل العناصر ثم في | مواليدها في الأرض تلك الثلاث |
ففي معدن طورا وطورا ظهرت في | نبات وحيوان لتتميم حكمتي |
وكنت رياحا من شمال ومن صبا | أهب فأروي عن حديث الأحبة |
وكنت بحارا زاخرات على المدى | تفيض فتبدي موجة بعد موجة |
وطورت أرضا ثم صرت جبالها | لإرسائها فوق البحار المحيطة |
وإني على ما كنت فيه ولم أزل | ولي رتبة التنزيه أرفع رتبه |
وما كثرة الأطوار مني غيرت | صفاتي ولا ذاتي ولا قدر ذرة |
وهل أنت في تخييل ذاتك باطنا | تغيرت عما كنت في كل مرة |
فيجلو عليك الفكر ما قد أردت من | زخارف أشباح هنا مستحيلة |
وذاك كهذا غير أن الخيال مع | تخيله في الغير لا في الهوية |
وما هي إلا أنت لا شيء ههنا | سواك فحقق سر تلك الحقيقة |
وإياك والتشبيه في كل موضع | توهمت فيه الغير وافطن للبسة |
وخذ كل ما القي عليك منزها | ولا تخش عارا إن فهمت إشارتي |
وهذا الذي قد قلته كله أنا | ظهرت به لي قاصدا لنصيحتي |
ولما انقضت أطوار ذاتي بمقتضى | صفاتي وأسمائي العظام الجليلة |
وتم التباسي بالذي أنا مظهر | له من شخوص فصلتها إرادتي |
وسويت جسم الكل بي فهو قابل | لروحي وتفصيلي استعد لجملتي |
جمعت من الأشياء طينة آدم | ومنها إلى الكل الرقائق مدت |
وخمرتها حتى تناسق نشؤها | وسويتها حتى لنفخي استعدت |
ولما استتم الأمر واستكمل الذي | أردت من الإجمال في البشرية |
ففي تلك من روحي نفخت وقد سرت | نسائم أمري في رياض الطبيعة |
فقمت سميعا باصرا متكلما | مريدا عليما ذا حيا وقدر |
فلم يبد ممني غير ما هو كائن | لدي وبي مني علي حكومتي |
فكنت كماء لونه ممن إنائه | وكالشمس تبدي خضر بالزجاجة |
وأسجدت أملاكي بأمري لمظهري | فكان سجودي لي وآدم قبلتي |
ولما أبى إبليس عني تكبرا | ولم تأتي من بعد أمري بسجدة |
عن الملا الأعلى له كنت مخرجا | وآب بخسران وطرد ولعنة |
وأسكنته في الأرض أظهر كامنا | به من شقا أصحاب قبضة يسرتي |
وأظهرت في ذاك الملا فضل آدم | وأنزلته أعلى مقام بجنتي |
وأخرجت حوا منه فهي له كما | هو الآن لي من حيث وصفي وصورتي |
وعن بعض أشجار هناك نهيته | ولي كان مني النهي عني لحكمتي |
ولما اقتضى فعلي لما كنت عنه قد | نهيت كمال الصورة الآدمية |
أتيت بأقسام إلي موسوسا | وأوقعت نفسي في غرورة غفلة |
وذقت كما ذاق العدو تباعدي | وما الأكل إلا الفرق والجمع توبتي |
وقد لاح عصياني علي ومذ بدت | طفقت بأوراق أخصف سوءتي |
ومن بعد ذا أهبطت للأرض هيكلي | وكنت بها في العالمين خليفتي |
وسخرت لي كل الوجود تفضلا | على صورتي مني وأتممت منتي |
وعرفت ما بيني وبيني كلاهما | على عرفات بعد طول التشتت فكان نكاح الأمر في الخلق ظاهرا ينافي كلا الشخصين قبل النتيجة |
وأظهرت من صلبي جميع مظاهري | بصورة ذر للعهود الوثيقة |
وأشهدتهم عني ألست بربكم | فقالوا بلى طرا بنفس مطيعة |
وأوهمتهم غيرا فأنكر بعضهم | وأوفى بعهدي بعضهم مع لبسة |
وأول أطواري الكوامن أنني | لآدم شيئا كنت وهو عطيتي |
وطورت نوحا جاء ينذر قومه | وكنت له التكذيب منهم ببعثتي |
وألفا سوى خمسين عاما لبثت في | جماعتهم أبغي لهم نشر دعوتي ولما أبوا واستكبروا كافرين بي دعوت عليهم واستجبت لدعوتي |
وأرسلت طوفانا عليهم فأغرقوا | ولم ينج إلا من معي في سفينتي |
وطورت إدريسا ولي كنت رافعا | مكانا عليا في أجل مكانه |
وطورت إبراهيم يدعو إلي بي | على قومه آتيته أي حجة |
ومذ قال ذا ربي له كنت كوكبا | كذا قمرا أيضا وشمسا بوجهه |
ولا فرق إلا بالأفول ألم تكن | إذا لا أحب الآفلين مقالتي |
كما قلت سموهم لقوم تعلقوا | بما قيد الإمكان من مطلقيتي |
وجئت إلى النمرود أدعوه للهدى | فلم يمتثل حتى توى بالبعوضة |
وأضرم في نارا وأرسلني بها | فعادت بأمري لي علي كجنة |
وقد كنت مني طالبا أنني أرى | لحق يقيني كيف إحياء ميتة |
فجاء جوابي لي بأربعة فخذ | من الطير واجعل في العلا كل قطعة |
وناديهم يأتين سعيا وبعد ذا | فكن عالما لا شي إلا بقدرتي |
وطورت إسماعيل لما بلغت مع | أبي السعي ذبحي قد رأيت بنومة |
وناديت لما أسلما حين تله | أصدقت حتى كان بالكبش فديتي |
وطورت إسحق الغيور ولم تكن | على غير تحريم الفواحش غيرتي |
وطورت يعقوبا بليت بيوسف | وأسلمني حبي له كل محنة |
وفرقت ما بيني زمانا وبينه | ووا أسفي ناديت من طول فرقتي |
وعيناي من حزني قد ابيضتا وقد | مننت بجمع الشمل بعد التشتت |
ويوسف قد طورت زاد ملاحة | بوجه سبى كل الوجوه المليحة |
وبالثمن البخس اشتراني مشتر | وفي الجب ألقتني من الكيد إخوتي |
وقد عشقت حسني زليخاء والهوى | أضر بها حتى هممت وهمت |
وطورت هودا كان يشهد قومه | على أنه من شركهم ذو براءة |
ولوطا لقد طورت أيضا وصالحا | أتيت إلى قومي لإبلاغ دعوتي |
فزاغوا وعن أمري عتوا وتكبروا | وقد عقروا لما عصوني ناقتي |
وطورت موسى ضارب البحر بالعصا | وقد شق حتى قومه فيه مرت وآنس نارا من جوانب طوره فرام ليأتي الأهل منها بجذوة فنال الهدى في شكل مقصده وقد تجلى له من مظهر الأحدية وقد حاز منه رؤية بسؤاله ولكنها الأطواد بالصعق دكت |
وعيسى لقد طورت يبرئ أكمها | وأبرص والأموات يحيي بدعوة وأرسلت روحي طبق ما هو عادتي إلى الأم حتى كان مظهر نفختي وأظهرت ما قد كان في الأب مضمرا وبينت للأقوام سر إلا مومة |
فضلوا وزاغوا عن مثال ضربته | لفهم علوم في الوجود دقيقة |
وقالوا بأني قد غدوت له أبا | وقد خص من دون الورى ببنوتي |
وأين الوجودان اللذان تباينا | وما عز خلاق كذل خليقة |
ومن بعد هذا جئت في طور كل ما | مضى من رسول أو نبي لأمة |
وأصبحت في شكل النبي محمد | إلى الله أدعو الناس في أرض مكة |
فآذتني الأقوام بغيا وحاولوا | بأفواههم إطفاء نور النبوة |
وأظهرت دين الحق بعد خفائه | فأصبحت الكفار في سوء حالة |
ونكست أصنام الضلال وفي الورى | أزلت ظلام الظلم من فرط سطوتي |
وطورت أصحابا ومن هو تابع | لهم بالهدى مثل الكرام الأئمة |
ومن بعد ذا ما زلت أظهر دائما | على أمد الأزمان في كل هيئة |
وطورت أهوال القيامة والذي | يكون غدا في يوم عرض الخليقة |
وإياك من قولي بأن تفهم الذي | تدين به الكفار بين البرية |
فإني بريء من حلول رمت به | عقول تغذت بالظنون الخبيثة |
وما بانحلال واتحاد أدين في | حياتي وإن دانتهما شر أمة |
وكل الذي أبديته لك ناظما | فن فوق أطوار العقول السليمة |
فإن كنت من أهل المعارف لم تلم | لأنك تلقاه بنفس تزكت |
وإن كنت مطموس البصيرة جامدا | على ما ترى من صورة بعد صورة |
فإنك معذور بقلة فهم ما | أقول لضعف في قواك الكليلة |
فواظب على التنزية وادأب عليه لا | تكن من أناس بالتشبه ضلت |
ودع عنك تجسيما ولا تك جاهلا | بأوصاف من أبداك في كل حالة |