من ذاق طعم شراب القوم يدريه
مدة
قراءة القصيدة :
10 دقائق
.
من ذاق طعم شراب القوم يدريه | ولم يروق رحيقاً غير صافيه |
يغمى عليه فيدري غب غيبته | ومن دراه غدا بالروح يشريه |
ولو تعوض أرواحاً وجاد بها | في نيله فهو بيع رابح فيه |
ولو حوى ألف نفس وهو يبذلها | في كل طرفة عين لا تساويه |
وقطرة منه تكفي الخلق لو طعموا | لعربدوا عندما تبدو بواديه |
يدب فيهم ويسري سر سورته | فيشطحون على الأكوان بالتيه |
وذو الصبابة لو يسقى على عدد | الذر الذي سائر الأكوان تحويه |
مضاعفاً عدّه بالضرب في جمل | الأنفاس والكون كأس ليس يرويه |
يروي ويظمأ لا ينفك شاربه | على الدوام مكبّاً في تعاطيه |
ولم يزل لتوالي ما يساوره | يصحو ويسكر والمحبوب يسقيه |
في ريّه ظمأ والصحو يسكره | والمحو يثبته واللوم يغريه |
والقبض يبسطه والوصل يفصله | والوجد يظهره طوراً ويخفيه |
يبدو له السر من آفاق وجهته | فأينما أمّ فالمحبوب هاديه |
يزوي حجاب التجلّي عن بصيرته | وليس إلاَّ له منه تَبَدِّيه |
له الشهادة غيب والغيوب له | عين الشهود ونأي الغير يدنيه |
وكان بالفضل في دعوى القصور له | شهادة والفناء المحض يبقيه |
له لدى الجمع فرق يستضيء به | وبالعبودية الخلصا يؤديه |
ملازما فيه آداب الخضوع له | كالجمع من فرقه مازال يلقيه |
يدنو ويعلو ويرنو وهو مصطلم | يبدي خصوصية اللاهوت من فيهِ |
حتى يعود إلى الناسوت متصفاً | في الحالتين بتمييز وتوليه |
له الوجودات أضحت طوع قدته | بالله والأدب المرعى يثنيه |
يطير بالروح أنى شاء مقتدراً | وما يشاء من الأطوار يأتيه |
للقوم سر مع المحبوب ليس له | من رتبة يرتقيها غير أهلية |
وليس يدرك للفيض الذي منحوا | حد وليس سوى المحبوب يحصيه |
به تصرفهم في الكائنات فما | يقضي امرؤ منهم إلا ويمضيه |
ولا يريدون إلا ما يريد وما | يشاء شاؤوا وما شاؤوه يقضيه |
إن كنت تعجب من هذا فلا عجب | لأن ذلك فضل الله يؤتيه |
وكم نوافل جود في الوجود سرت | لله في الكون سر لا يرى فيه |
لا شيء في الكون إلا وهو ذو أثر | فيما يشاهد من تأثير مبديه |
إذا تأثر معلول بعلّته | فما المؤثر غير الله قاضيه |
ليس التضادد مناعاً لقدرته | وليس يثنيه عن شيء تنافيه |
فهو القديم بلا قيد يناط به | من حيث قدرته يأتي تعاليه |
وإنما من وجود الحادثات له | في فهمنا مانع الضد الذي فيه |
فإنه حيث لم ندرك تصوّره | تمانع في محل ظلّ يحويه |
وللفقير وجوه ليس يحصرها | غير الحبيب مفيض الفضل مسديه |
له طرائق شتى لا يحيط بها | عدو وكل وجود فهو واديه |
لو كنت تدري وجوه العبد كنت ترى | مطوي ما فيه من قدس وتنزيه |
وكنت تشهد فيه الحق معتقداً | فيه الكمال كما النقصان تنفيه |
والعبد هذا هو الحر الذي حصلت | له بلثم يد الهادي أمانيه |
غوث الأنام الرفاعي الذي عقدت | له الخلافة جل الله معطيه |
أوصافه ظهرت من وصف مبدعه | كالبدر يبدي ضياء في تلقيه |
وجده المصطفى مرآة مشهده | وكله مظهر يبدي تجلّيه |
إذا رئي ذكر المولى برؤيته | جهراً وأعلن بالتوحيد نافيه |
وشوهدت سبحات النور تغمره | وفاز بالسعد والتقريب رائيه |
وعبد عليه سمات العز لائحة | ونور طه عن التعريف يغنيه |
لواء غوثية الأكوان في يده | وخلعة العز والتحكيم عاليه |
إن كنت تقصد أن تحظى بصحبته | يوم المعاد وترقى في مراقيه |
فالزم بنية وخذ عنهم طريقته | واسلك على سنن طابت مساعيه |
اخلص ودادك صدقاً في محبته | إن المحب مع المحبوب نرويه |
مرغ خدودك في أعتاب مشهده | والزم ثرى بابه واعكف بناديه |
واستغرق العمر في آداب صحبته | مع المشائخ والبرهان يحكيه |
واسْتَقْرِ ما قد حبا عبد السميع به | وحصل الدر والياقوت من فيه |
وابذل قواك وبادر في أوامره | بالامتثال وسر في سير أهليه |
واسلك طريقتهم تربح ومل معهم | إلى الوفاق وبالغ في مراقيه |
واحذر بجهدك أن تأتي ولو خطأ | أمراً يغاير ما يهوى ويبغيه |
وكن لتشملك الألطاف مجتنباً | ما لا يحب وباعد عن مناهيه |
وكن محب محبيهم وناصرهم | فبغضهم وجلال الله يؤذيه |
ووال بالود من والى خليفته | والزم عداوة من أضحى يعاديه |
واعلم يقيناً بأن الله ناصره | على المريد به سوءاً ومعليه |
واستفرغ الجهد في تعزيز منصبه | إن لم تكن ناصراً فالله يكفيه |
وأنزل الشيخ في أعلا منازله | فإنه قطب هذا الكون واليه |
واعرف له الفضل والثم ترب مضجعه | واجعله قبلة تعظيم وتنزيه |
ولست تفعل هذا إن ظننت به | أدنى قصور وميل في ترقيه |
فحّدك الزم ولا تشهد لحضرته | نقصاً ولا خللاً فيما يعانيه |
واترك مرادك واستسلم له أبداً | فإن عين الهدى ما الشيخ يجريه |
ولا تزل لا اختيار النفس مطرحاً | وكن كميت مخلى في أياديه |
أعدم وجودك لا تشهد له أثراً | يميته الموتة الأولى ويحييه |
واجعل مفاتيح بيت السر في يده | ودعه يهدمه طوراً ويبنيه |
متى رأيتك شيئاً كنت محتجّاً | وعدت بعد صعود الطور في التيه |
وفي حضيض شهود النفس منقطعاً | برؤية الشيء عما أنت ناويه |
ولا ترى أبداً عنه غنى فمتى | عرفت فقرك ألفيت الغنى فيه |
فأنت ما عشت محتاج إليه ولو | رأيت عنه غنى تخشى تناسيه |
إن اعتقادك إن لم تأت غايته | في حضرة الشيخ تحرم من أياديه |
وإن تكن غير فإن ما حييت به | فيه فيوشك أن تخفى مباديه |
وغاية الأمر فيه أن تراه على | كل الوجوه مصيباً في مساعيه |
فإنه المرشد الهادي العباد إلى | نهج الكمال وإن الله هاديه |
ومن إمارة هذا أن تؤول ما | يحتاج شرعاً لتأويل وتنبيه |
وليس يلزم أن تدري حقيقة ما | عليك يشكل إظهاراً لخافيه |
والمرء ان يعتقد شيئاً وليس كما | في نفسه فبحسن الظن يجديه |
فظن خيراً بكل المؤمنين فمن | يظنه لم يخب والله يعطيه |
وليس ينفع قطب الوقت ذا خلل | لا يشهد السر ذا ريب وتمويه |
وما الرفاعي بالهادي لمنتحل | في الاعتقاد ولا من لا يواليه |
إلا إذ سبقت للعبد سابقة | وحكم الشيخ قيما شاءه فيه |
ينال إذا ذاك ما يرجوه من مدد | يعود من بعد هذا من مواليه |
ونظرة منه إن صحّت إليه على | ما فيه تسمو به حقاً وتعليه |
شيخ إشارته نحو المريد على | سبيل ود بإذن الله تغنيه |
فالناس عبدان مجذوب وسالك ما | به الأوامر جاءت من مربيه |
يكلف النفس عبء الاجتهاد كما | دعي إليه بتعليم وتنبيه |
والجذب أخذة عبد بغتة بيد | إلى مقام به المحبوب يدنيه |
مواهب وفيوضات تزج به | عناية نحو أمر ليس ينويه |
هو المراد ومخطوب العناية لا | يمسّه من لغوب في ترقيه |
ولا يعاني مشقّات السلوك ولا | يحسّ كلفة تكليف يلاقيه |
طوراً يرد عليه الحس تكملة | لحاله ولسر ليس يدريه |
إذا تغشاه طور الحس أزعجه | فيقصد الطور ما قد كان ناويه |
تراه يعبد لا يلوي على شغل | وفي الدياجر للمولى يناجيه |
يمسي وليس له همّ يحرّكه | سوى العبادة يستحلي تفانيه |
ترى الحقائق تبدو منه في نسق | كما لموسى بدت من عند باريه |
له اطلاع ونور في فراسته | مع الكشوف لأن الله يلقيه |
وقد يغيب عن الإحساس مختطفاً | وذاك حين يعيد الجذب داعيه |
فيستوي فوق عرش القرب مبتهجاً | وذو العناية حفظ الحق يحميه |
وذو السلوك تراه في إرادته | بعد التخلّي مجداً في تحلّيه |
له إلى الله سير لا يزال به | مجاهد النفس ذا وعي لباقيه |
يمشي على نهج أهل الصدق ملتزماً | ما للشريعة من حكم وتوجيه |
مراعياً في طريق القوم عن أدب | شروطهم خائفاً مما يرجيه |
كم من مريد قضى ما نال بغيته | وجاء قبل بلوغ القصد ناعيه |
لكنه لم يخب مما نواه وإن | حق القضاء عليه في تقاصيه |
وكم مريدٍ ونى من بعد عزمته | لعائق عن قويم السير يثنيه |
مل السرى ومطايا عزمه وهنت | إذ عزمه ذاك ما صحت مباديه |
من ليس يخلص في مبدأ إرادته | فكيف يرجو فلاحاً في تناهيه |
ومن له من هوى الأغراض شائبة | يهوي به الحظ في أهوى مهاويه |
وما المريد الذي صحت إرادته | واستصحب العزم فيما كان ينويه |
وسار في السنن المرضى مجتهداً | إلا مراد له جذب يوافيه |
والجذب إن جاء من بعد السلوك له | علو شان وتعظيم وتنويه |
وكان من حيث سبق الاجتهاد له | فضل على الجذب مما السعي تاليه |
فالجذب هذا الذي التفصيل فيه هو | الذي بمصطلحات القوم نحكيه |
سيماه تبد وعلى وجه المريد وذا الجذب | الذي ظهرت فينا بواديه |
وفي الحقيقة لولا الجذب ما سلكت | سبل الرشاد ولم يسمع مناديه |
ولا تأله مشتاق ولا عمرت | طريق حق ولا رويت مرائيه |
لولا العناية والتخصيص قد سبقا | للعبد لم يدعه للفوز داعيه |
تلك السوابق لولاها وقد سلفت | في دعوة العبد ما قامت دعاويه |
إن المريد مراد والمحب هو | المبدؤ بالحب منذ العرش هاديه |
فهو المراد المهنا في الحقيقة | والمحبوب فاستمل هذا من أماليه |
إن كان يرضاك عبداً أنت تعبده | ملاحظاً نفي تمثيل وتشبيه |
وإن أقامك في حال فقف أدباً | وإن دعاك مع التمكين تأتيه |
فيفتح الباب إكراماً على عجل | باب المواهب بشرى من يوافيه |
تضحي وتمسي عزيزاً في ضيافته | ويرفع الحجب كشفاً عن تنائيه |
وثم تعرف ما قد كنت تجهله | ويصطفيك لأمر لا ترجيه |
يوليك ما ليس يدري الفهم غايته | مما عن الحصر قد جلت معانيه |
وترتوي من شراب الأنس صافيه | في معقد الصدق والمحبوب ساقيه |
من ذاقها لم يخف من بعدها ضرراً | يا سعد من بات مملواً بصافيه |
وصل يا رب ما غنت مطوقة | يسلو الخلي بها والصب تشجيه |
وما تمايلت الأغصان من طرب | على النبي صلاة منك ترضيه |
والآل والصحب والأتباع ما قرئت | من ذاق طعم شراب القوم يدريه |