ذهبت من الغريب بكل مذهب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذهبت من الغريب بكل مذهب | وملت عن النسيب وكان أنسب |
ركبت من الحماسة كل صعب | ولم تجنح إلى كنس وربرب |
كأنك لم تكن تهوى قديماً | ولم تعكف على طرب فتطرب |
تريد تصبّراً فتضيق ذرعاً | وما أنساك أن الطبع أغلب |
فكم قد أوقفتك يد التنائي | ذليلاً حيثما العبرات تسكب |
ورب مهفهفٍ أقصاك هجراً | ومن بعد البعاد دنا وقرب |
أتذكر إذ هصرت بفود سلمى | وكانت من عقاب الجوا صعب |
فمالت مثل بدر في ظلامٍ | على غصن على رمل مكثب |
ورمت عناقها فبكت دلالاً | وكفكف دمعها الكف المخضب |
ولم تلبث بأن أدنت جناها | وأولتك المؤزر والمنقب |
وبت ضجيعها في مرط أنس | وأمن لا تلام ولا تؤنّب |
فتلثم من شهي الورد طوراً | وطوراً ترشف الراح المحبّب |
وقد علقت بثوبك من شذاها | روائح من فتيت المسك أطيب |
تنازعك الحديث على خفاء | وقد غفل الرقيب فما ترقب |
تقص عليك ما الواشون قالوا | وتعتب أن تذيع ولات معتب |
فتنثر من بديع اللفظ درّاً | وتبسم عن برود الثغر أشنب |
ولم تمنح سواك سوى نفور | وإعراض وإن كان المهذب |
وأنى يطمع العشّاق فيها | ودون مزارها الآمال خيّب |
ومن إلاَّك مد فنال شمساً | ببرج الليث في الفلك المحجب |
فداها كل غانية عداها | من البين المبرح إذ تنكب |
بها وبمثلها فالهج وعرض | وعنها فانظم الدر المثقب |
وفي سير الحسان فغن واطرب | فذكرك غيرهن هوى مركب |
فكم من مدحة ذهبت ضياعاً | سكبت نضارها وإليك تنسب |
ظلمت نفيسها ووضعته في | أسافل لم تكن في الحمد ترغب |
كما ظلمت عقود من جمان | إذا ما قلدت في جيد أرنب |
بنيت من البديع لهم قصوراً | فهدمها قصورهم وخرب |
وشمت بروقهم فظننت ماء | ولم تعلم بأن البرق خلب |
إذا ما كان للمدوح مجد | وإلا فالمديح بعينه سب |
وحسبك إن من يتلو مديحاً | لهم فهو المكذّب والمكذّب |
فبئس القوم لا بطش لديهم | يخاف ولا ندى يرجى ويطلب |
شعارهم الملابس والملاهي | وفخرهم المفضض والمذهب |
وليس لهم إذا اجتمعوا حديث | سوى ذكرى شهي الأكل والعب |
فلا الدنيا صفت لهم فواقاً | ولا حسناتهم في الحشر تكتب |
بهم يشقى جليسهم وتبت | يدا من ظل مرتقباً لهم تب |
فوا أسفاً على در نفيس | بسوق الجزع أضحى اليوم يجلب |
وواعجباً لجهلك كيف كانوا | وجهلهم بما ارتكبوه أعجب |
فكنت ظننت شخصاً من بعيد | فخلت من الأسود فبان ثعلب |
لرسم الملك يطلب وهو فدم | ضعيف العقل مهما طار أو دب |
يصول بغيره ويتيه كبراً | وليس لذاته في الحرب مشرب |
ولو لم يستجر بالجار حقاً | لطرده العدو ضحى وعذب |
فتلك عصابة السوء التي لم | تجد خيراً بشائبهم ومن شب |
شمائلهم فطانة باقل في | شجاعة صافر في عز اشعب |
فلا برحوا بسوء ما علمنا | ودام بهم غراب البين ينعب |
ولا فتئت يد الأيام نقذي | نواضرهم بكثكثها وتلعب |
وترميهم بشر إن أصروا | كما رميت جمار بالمحصب |