أسى وأفى بحادثة البريد
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أسى وأفى بحادثة البريد | وحزن دايم وجوى يزيد |
مصاب هد من جلدي وصبري | بكارث خطبه الركن المشيد |
على أني ربيط الجاش ثبت | وإن حشدت من الدهر الجنود |
ولكن الليالي فاجأتني | بموجعة يذوب لها الحديد |
كأنَّ ضِئَيْلَة ً لسعت فؤادي | فحم بسمها الجسد الجليد |
فكل مصيبة جلل سواها | لَدَيَّ وَكُلَّ ذِيْ خطر زهيد |
لقد قطفت يد الأيّام غضا | محل غراسه قلبي العميد |
أحال الدهر رونقة وأذوى | نضارة عوده الزمن العيتدُ |
وأنشبت المنية فيه ظفراً | فكاد الحي من جزع يميدُ |
وجدن عليه بالدمع البواكي | وكان بنفسه كرماً يجودُ |
وسامته الكواعب أن يفَّدي | بهن لو الفِداء هنا يفيدُ |
وأصبح وهو في حشم عديدٍ | وأمسى وهو مغترب وحيدُ |
ترحل قاصداً نزلاً قريباً | رجوع النازلين به بعيدُ |
وأم رحاب من تلقى مناها | إذا نزلت بساحته الوفودُ |
مضى واختار بعد جوارنا أن | يجاوره الرؤف به الودودُ |
فيالله من قمرٍ بقبرٍ | تعظمه لساكنه اللحودُ |
وكم يا ليت شعري من عفافٍ | تضمن ذلك الجدث الجديدُ |
وطيب شمائلٍ وجميل ذكرٍ | عليه خرائد الغنَّا شهودُ |
وعرض طاهر وخلال حمدٍ | لها الميزان والشعرى عقودُ |
غرائز هاشميّات وخلق | جميل زانه الخلق الحميدُ |
يرشحه لها نسبٌ منيفٌ | لمحتده ذرى العليا سجودُ |
نمته عروق مجد أخلصته | العمومة الخؤلة والجدودُ |
لقد أودى فأودع نار وجدٍ | لها ما بين أضلاعي وقودُ |
فقدت بفقده الدنيا جميعاً | بروحي ذلك الإلف الفقيدُ |
أقام لعشرتي عشرين عاماً | وكل أولئك الأيام عيدُ |
به ابتهجت سميَّات المغاني | وتاه بعزّه القصر المشيدُ |
يصرّف كيف شاء نفيس مالي | ونفسي والعبيد له عبيدُ |
وكل فعاله أعمال برٍّ | وكل خصاله كرمٌ وجودُ |
فما نقم الحفيّ عليه أمراً | يعاب به ولا فاه الحسود |
وليس وإن سما قدراً وشاناً | بذي صلفٍ ولا الشكس الكنود |
ولم يرفع على الجيران صوتاً | وإن جاوروا ويصفح أن يكيدوا |
ولم يغتب سواه ولا اشتكى من | نميمته القريب ولا البعيد |
وليس بسيىء ٍ ظنَّاً إذا ما | أساء الظن بالناس الحقود |
ولم ينطق ولو مزحاً بعورا | عدو المرء ما لا يستعيد |
نفور عن سفاسف كل أمر | وعن ما لا يليق به شرود |
تسربل بالنزاهة واكتسى بالنباهة | والحياء له عقيد |
دعته الغيد سيدهن طوعا | ومن ذا بعد غيبته يسود |
وأجمعت العقائل أنه في | سمات المجد ليس له نديد |
لهنّ بحسن سيرته اقتداءٌ | يزين ورأيه الرأي السديد |
صفاتٌ جآء مطبوعاً عليها | له ولها به اقتران الوجود |
وإرث خلفته له أصول | كرامٌ من بني الزهراء صيد |
ولو منها فرضنا حجد شيءٍ | لألقم دونه الحجر الجحود |
نفيس قد تكون من نفيس | وحيد في محامده فريد |
بلا ثمن حظيت به لحظي | بخٍ لو دام في الدنيا سعود |
أيحسن بعده في رأي عيني | من الدنيا طريفٌ أو تليد |
وهل أسلو بلى أسلو سلوي | إلى يوم يقوم به الهجود |
وهل بتداول الأيام حزني | يقل لفقده لا بل يزيد |
وهل يبلى معاذ الله ود | له بالقلب ممتزج أكيد |
فلا عيشي يطيب ولا شرابي | يروق ولا كرى جفني يعود |
وتأبى شيمتي أن يزدهيني | عقود في الخراعب أو بنود |
وكيف يلذ بالعلات وصل | نعم منهن لذّ لي الصدودُ |
سيبدو لي خيال منه مهما | تراءت غرّة للعين خود |
بحرمة ودّه أقسمت أني | أحب إليه لو ساغ الورود |
ومالي في الحياة هوى ً ولكن | قضى ببقاي ذو العرش المجيد |
أأبقَى والمغاني عنه صفر | وآونة الحياة البيض سود |
وتحزنني الولائد ان أراها | وقد صبغت بأدمعها الخدود |
أسى يبكين لا لحذار ذلٍّ | فإن أباته العدد العديد |
وقين السوء طالعهن إلاّ | بغيبة شخصه أبداً سعود |
ولولا أن هذا الرّزء حكم | من الفعال فينا ما يريد |
لقارعت المنون قراع حرٍّ | تهاب شاب قواضبه الأسود |
وخضت لدرئه غمرات حرب | شب لهولها الطفل الوليد |
ولكن ليس هذا الخطب مما | تقهقره الجيوش ولا الجنود |
فخفض يا فؤآد عليك واصبر | فما الموتور قبلك مستقيد |
وما جزع على ميتٍ بمغنٍ | ولا ضرب الحسام ولا النقود |
وسلم إن في التسليم أجراً | وفي عدم الرضى ورد الوعيد |
جرى قلم القضآء فكل ماض | من الدنيا إليها لا يعود |
وليس لذي مقام أو حطام | يتاح بهذه الدار الخلود |
لريب الدهر في كل ابن أنثى | سهام لا تطيش ولا تحيد |
ومن من صرفه ينجو ومن ذا | على ظهر البسيطة لا يبيد |
وبالأمم التي سلفت وصارت | من المنسي يعتبر البليد |
فكم غدر الزمان بذات قرب | ومبعدة كما بعدت ثمود |
وكم نقضت من الدنيا عليهم | مواثيق وكم نكثت عهود |
وكم ذي زهو افترست سباع | الفناء وخانه الأمل المديد |
ولكن الورى في غفلة عن | مصارعهم كأنهم رقود |
سفاهٌ بابن آدم حين يلهو | ويلعب والحمام له عتيدُ |
تناخ بسوحه نجب المنايا | وشيمته القساوة الجمودُ |
وليس بما يؤل إليه يدري | أمقبولٌ فينجو أم طريدُ |
لعمرك إنه لقرينُ خسرٍ | ومحفوظ الكتاب بذا شهيدُ |
ولم يفلح سوى عبد له في | ربا الإيمان بنيان وطيد |
وصدّق واتّقى المولى وأعطى | ولم تتعد منه له الحدود |
ولولا سبق رحمته تعالى | لحل عذابه بهم الشديد |
على جدث به ممن فقدنا | لطيف الروح والجسم الوئيد |
تحيات معطرة الحواشي | يضوع بنشر عبهرها الوجودُ |
وصيب رحمة وسجال غيث | من الرضوان جَادَ به الحميدُ |
وشيعت الملائك منه روحاً | إلى الأفق المبين لها صعودُ |
وأسكنه المهيمن في جنانٍ | دعائم دورها الدر النضيدُ |
يطوف رياضها في عبقري | مجلّلة لهيكلها البرود |
تسامره هنالك أم هندٍ | وفاطمة المطهرة الخرود |
وكل شريفة تنمى إلى من | هم في مركز الفخر العمود |
إلى آل الرسول عليه أزكى | صلاة الله ما حن الرعود |