أود من الأيام ما لا توده
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أوَدُّ مِنَ الأيّامِ مَا لا تَوَدُّهُ | وَأشكُو إلَيهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُهُ |
يُباعِدْنَ حِبّاً يَجْتَمِعْنَ وَوَصْلُهُ | فكَيفَ بحِبٍّ يَجْتَمِعنَ وَصَدُّهُ |
أبَى خُلُقُ الدّنْيَا حَبِيباً تُديمُهُ | فَمَا طَلَبي مِنهَا حَبيباً تَرُدّهُ |
وَأسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّراً | تَكَلفُ شيءٍ في طِباعِكَ ضِدّهُ |
رَعَى الله عِيساً فَارَقَتْنَا وَفَوْقَهَا | مَهاً كُلها يُولَى بجَفْنَيْهِ خَدُّهُ |
بوَادٍ بِهِ مَا بالقُلُوبِ كَأنّهُ | وَقَدْ رَحَلُوا جِيدٌ تَنَاثَرَ عِقدُهُ |
إذا سَارَتِ الأحداجُ فَوْقَ نَبَاتِهِ | تَفَاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَنْدُهُ |
وَحالٍ كإحداهُنّ رُمْتُ بُلُوغَهَا | وَمِنْ دونِها غَوْلُ الطريقِ وَبُعدُهُ |
وَأتْعَبُ خَلْقِ الله مَنْ زَادَ هَمُّهُ | وَقَصّرَ عَمّا تَشتَهي النّفس وَجدُهُ |
فَلا يَنحَلِلْ في المَجدِ مالُكَ كُلّهُ | فيَنحَلَّ مَجْدٌ كانَ بالمالِ عَقدُهُ |
وَدَبِّرْهُ تَدْبيرَ الذي المَجْدُ كَفُّهُ | إذا حارَبَ الأعداءَ وَالمَالَ زَنْدُهُ |
فَلا مَجْدَ في الدّنْيَا لمَنْ قَلّ مَالُهُ | وَلا مالَ في الدّنيا لمَنْ قَلّ مَجدُهُ |
وَفي النّاسِ مَنْ يرْضَى بميسورِ عيشِهِ | وَمَرْكوبُهُ رِجْلاهُ وَالثّوْبُ جلدُه |
وَلَكِنّ قَلْباً بَينَ جَنْبَيّ مَا لَهُ | مَدًى يَنتَهي بي في مُرَادٍ أحُدُّهُ |
يَرَى جِسْمَهُ يُكْسَى شُفُوفاً تَرُبُّهُ | فيَختارُ أن يُكْسَى دُرُوعاً تهُدّهُ |
يُكَلّفُني التّهْجيرَ في كلّ مَهْمَهٍ | عَليقي مَرَاعِيهِ وَزَاديَ رُبْدُهُ |
وَأمْضَى سِلاحٍ قَلّدَ المَرْءُ نَفْسَهُ | رَجَاءُ أبي المِسْكِ الكَريمِ وَقصْدُهُ |
هُما ناصِرَا مَنْ خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ | وَأُسرَةُ مَنْ لم يُكثِرِ النّسلَ جَدُّهُ |
أنَا اليَوْمَ مِنْ غِلْمانِهِ في عَشيرَةٍ | لَنَا وَالِدٌ مِنْهُ يُفَدّيهِ وُلْدُهُ |
فَمِنْ مَالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفْسُهُ | وَمِنْ مَالِهِ دَرُّ الصّغِيرِ وَمَهْدُهُ |
نَجُرّ القَنَا الخَطّيّ حَوْلَ قِبَابِهِ | وَتَرْدي بِنا قُبُّ الرّباطِ وَجُرْدُهُ |
وَنَمْتَحِنُ النُّشّابَ في كلّ وَابِلٍ | دَوِيُّ القِسِيّ الفَارِسِيّةِ رَعْدُهُ |
فإنْ لا تَكُنْ مصرُ الشَّرَى أوْ عَرِينَه | فإنّ الذي فيهَا منَ النّاسِ أُسدُهُ |
سَبَائِكُ كافُورٍ وَعِقْيانُهُ الذي | بصُمّ القَنَا لا بالأصَابعِ نَقْدُهُ |
بَلاهَا حَوَالَيْهِ العَدُوُّ وَغَيْرُهُ | وَجَرّبَهَا هَزْلُ الطّرَادِ وَجِدّهُ |
أبو المِسْكِ لا يَفْنى بذَنْبِكَ عفوُهُ | وَلَكِنّهُ يَفْنى بعُذْرِكَ حِقدُهُ |
فَيَا أيّها المَنْصُورُ بالجَدّ سَعْيُهُ | وَيَا أيّها المَنْصُورُ بالسّعيِ جَدّهُ |
تَوَلّى الصِّبَى عَنّي فأخلَفتَ طِيبَهُ | وَمَا ضَرّني لمّا رَأيْتُكَ فَقدُهُ |
لَقَدْ شَبّ في هذا الزّمانِ كُهُولُهُ | لَدَيْكَ وَشابَتْ عندَ غَيرِكَ مُرْدُهُ |
ألا لَيْتَ يَوْمَ السّيرِ يُخبرُ حَرُّهُ | فَتَسْألَهُ وَاللّيْلَ يُخْبرُ بَرْدُهُ |
وَلَيْتَكَ تَرْعاني وَحَيرَانُ مُعرِضٌ | فتَعْلَمَ أنّي من حُسامِكَ حَدّهُ |
وَأنّي إذا باشَرْتُ أمراً أُريدُهُ | تَدانَتْ أقاصِيهِ وَهَانَ أشَدُّهُ |
وَمَا زَالَ أهلُ الدّهرِ يَشْتَبِهونَ لي | إلَيْكَ فَلَمّا لُحْتَ لي لاحَ فَرْدُهُ |
يُقالُ إذا أبصَرْتُ جَيْشاً وَرَبَّهُ | أمامكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجيشِ عبدُهُ |
وَألْقَى الفَمَ الضّحّاكَ أعلَمُ أنّهُ | قَريبٌ بذي الكَفّ المُفَدّاةِ عهدُهُ |
فَزَارَكَ مني مَنْ إلَيْكَ اشتِياقُهُ | وَفي النّاسِ إلاّ فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ |
يُخَلِّفُ مَنْ لم يَأتِ دارَكَ غَايَةً | وَيأتي فيَدري أنّ ذلكَ جُهْدُهُ |
فإنْ نِلْتُ ما أمّلْتُ منكَ فرُبّمَا | شَرِبْتُ بمَاءٍ يُعجِزُ الطّيرَ وِرْدُهُ |
وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبلَ وَعْدٍ لأنّهُ | نَظيرُ فَعَالِ الصّادِقِ القوْلِ وَعدُهُ |
فكنْ في اصْطِناعي مُحسِناً كمُجرِّبٍ | يَبِنْ لَكَ تَقرِيبُ الجَوَادِ وَشَدُّهُ |
إذا كنتَ في شَكٍّ من السّيفِ فابْلُهُ | فإمّا تُنَفّيهِ وَإمّا تُعِدّهُ |
وَمَا الصّارِمُ الهِندِيُّ إلاّ كَغَيرِهِ | إذا لم يُفارِقْهُ النِّجادُ وَغِمْدُهُ |
وَإنّكَ لَلْمَشْكُورُ في كُلّ حالَةٍ | وَلَوْ لم يكُنْ إلاّ البَشاشَةَ رِفْدُهُ |
فكُلُّ نَوَالٍ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ | فلَحظَةُ طَرْفٍ منكَ عنديَ نِدّهُ |
وَإنّي لَفي بَحْرٍ منَ الخَيرِ أصْلُهُ | عَطَاياكَ أرْجُو مَدّهَا وَهيَ مَدُّهُ |
وَمَا رَغْبَتي في عَسْجَدٍ أستَفيدُهُ | وَلَكِنّها في مَفْخَرٍ أسْتَجِدّهُ |
يَجُودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ | وَيحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحمدَ حمدُهُ |
فإنّكَ ما مرّ النُّحُوسُ بكَوْكَبٍ | وَقَابَلْتَهُ إلاّ وَوَجْهُكَ سَعدُهُ |