آخر ما الملك معزى به
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزّىً بِهِ | هذا الذي أثّرَ في قَلْبِهِ |
لا جَزَعاً بَلْ أنَفاً شابَهُ | أنْ يَقْدِرَ الدّهْرُ على غَصْبِهِ |
لَوْ دَرَتِ الدّنْيَا بمَا عِنْدَهُ | لاستَحيَتِ الأيّامُ من عَتبِهِ |
لَعَلّهَا تَحْسَبُ أنّ الذي | لَيسَ لَدَيهِ لَيسَ من حِزْبِهِ |
وَأنّ مَنْ بَغدادُ دارٌ لَهُ | لَيسَ مُقيماً في ذَرَا عَضْبِهِ |
وَأنّ جَدّ المَرْءِ أوْطانُهُ | مَن لَيسَ منها لَيسَ من صُلبِهِ |
أخَافُ أنْ تَفْطَنَ أعْداؤهُ | فيُجْفِلُوا خَوْفاً إلى قُرْبِهِ |
لا بُدّ للإنْسانِ من ضَجعَةٍ | لا تَقْلِبُ المُضْجَعَ عن جَنبِهِ |
يَنسى بها ما كانَ مِن عُجْبِهِ | وَمَا أذاقَ المَوْتُ من كَرْبِهِ |
نحنُ بَنُو المَوْتَى فَمَا بالُنَا | نَعَافُ مَا لا بُدّ من شُرْبِهِ |
تَبْخَلُ أيْدينَا بِأرْوَاحِنَا | على زَمَانٍ هيَ من كَسْبِهِ |
فَهَذِهِ الأرْوَاحُ منْ جَوّهِ | وَهَذِهِ الأجْسامُ مِنْ تُرْبِهِ |
لَوْ فكّرَ العاشِقُ في مُنْتَهَى | حُسنِ الذي يَسبيهِ لم يَسْبِهِ |
لم يُرَ قَرْنُ الشّمسِ في شَرْقِهِ | فشَكّتِ الأنْفُسُ في غَرْبِهِ |
يَمُوتُ رَاعي الضّأنِ في جَهْلِهِ | مِيتَةَ جَالِينُوسَ في طِبّهِ |
وَرُبّمَا زَادَ على عُمْرِهِ | وَزَادَ في الأمنِ على سِرْبِهِ |
وَغَايَةُ المُفْرِطِ في سِلْمِهِ | كَغَايَةِ المُفْرِطِ في حَرْبِهِ |
فَلا قَضَى حاجَتَهُ طالِبٌ | فُؤادُهُ يَخفِقُ مِنْ رُعْبِهِ |
أستَغْفِرُ الله لشَخْصٍ مضَى | كانَ نَداهُ مُنْتَهَى ذَنْبِهِ |
وَكانَ مَنْ عَدّدَ إحْسَانَهُ | كأنّمَا أفْرَطَ في سَبّهِ |
يُرِيدُ مِنْ حُبّ العُلَى عَيْشَهُ | وَلا يُريدُ العَيشَ من حُبّهِ |
يَحْسَبُهُ دافِنُهُ وَحْدَهُ | وَمَجدُهُ في القبرِ مِنْ صَحْبِهِ |
وَيُظْهَرُ التّذكيرُ في ذِكْرِهِ | وَيُسْتَرُ التأنيثُ في حُجْبِهِ |
أُخْتُ أبي خَيرِ أمِيرٍ دَعَا | فَقَالَ جَيشٌ للقَنَا: لَبّهِ |
يا عَضُدَ الدّوْلَةِ مَنْ رُكْنُها | أبُوهُ وَالقَلْبُ أبُو لُبّهِ |
وَمَنْ بَنُوهُ زَينُ آبَائِهِ | كأنّهَا النّوْرُ عَلى قُضْبِهِ |
فَخْراً لدَهْرٍ أنْتَ مِنْ أهْلِهِ | وَمُنْجِبٍ أصْبَحتَ منْ عَقْبِهِ |
إنّ الأسَى القِرْنُ فَلا تُحْيِهِ | وَسَيْفُكَ الصّبرُ فَلا تُنْبِهِ |
ما كانَ عندي أنّ بَدْرَ الدّجَى | يُوحِشُهُ المَفْقُودُ من شُهْبِهِ |
حاشاكَ أن تَضْعُفَ عن حَملِ ما | تَحَمّلَ السّائِرُ في كُتْبِهِ |
وَقَدْ حَمَلْتَ الثّقلَ من قَبْلِهِ | فأغنَتِ الشّدّةُ عَنْ سَحْبِهِ |
يَدْخُلُ صَبرُ المَرْءِ في مَدْحِهِ | وَيَدْخُلُ الإشْفَاقُ في ثَلْبِهِ |
مِثْلُكَ يَثْني الحُزْنَ عن صَوْبِهِ | وَيَستَرِدّ الدّمعَ عن غَرْبِهِ |
إيمَا لإبْقَاءٍ عَلى فَضْلِهِ؛ | إيمَا لتَسْليمٍ إلى رَبّهِ |
وَلم أقُلْ مِثْلُكَ أعْني بِهِ | سِواكَ يا فَرْداً بِلا مُشْبِهِ |