كيف قلتم في مقلتيه فتور
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
كيف قلتم في مقلتيه فتور | وأراها بلا فتور تجور |
لو بصرتم بلحظه كيف يسبي | قلتم ذاك كاسر لا كسير |
موتر قوس حاجبيه لإصماء | فؤادي كأنه موتور |
لا تسلني عن اللحاظ فعقلي | طافح من عقارهن عقير |
كيف يصحو من سكره مستهام | مزجت كأسه العيون الحور |
أورثته سقامها الحدق النجل | وأهدت له النحول الخصور |
ما تصيد الأسد الخوادر إلا | ظبيات كناسهن الخدور |
كل غصنيه الموشح هيفاء | على البدر جيبها مزرور |
وجنات تجنى الشقائق منها | وثنايا كأنها المنثور |
وبنفسي معنبر الصدغ والعارض | فوق العبير منه العبير |
مقطع للقلوب يقطع فيها | باقتدار وخطه المنشور |
فتأمل منه عذاريه تعلم | أن معذول حبه معذور |
منثني العطف منتشي الطرف في فيه | الحميا وطرفه المخمور |
أيس العاذلون مني فيه | مثلما خاب في قبولي المشير |
الأمر الملام ينقاد قلبي | وعليه من الغرام أمير |
قل لحلو حال من الحسن في هجرك | حالي حزن وعيشي مرير |
بفؤادي حللت والنار فيه | فيه منك جنة وسعير |
نار قلبي لضيف طيفك تبدو | كل ليل فيهتدي ويزور |
وأرى الطيف ليس يشفي غليلي | كيف يشفي الغليل زَوْرٌ زُوْرُ |
ما مدام يديرها ثمل العطف | بنفسي كؤوسها والمدير |
بنت كرم تجلى على ابن كريم | وجهه من شعاعها مستنير |
من سنا كأسها المعاصم والأنفس | فيها أساور وسرور |
ولها في الكؤوس في حالة المزج | حباب وفي النفوس حبور |
وكأن الحباب في الكأس منها | شرر فوق ناره مستطير |
طاب للشاربين منها الهواءان | فلذ الممدود والمقصور |
من يدي ساحر اللواحظ قلبي | بهواه مستهتر مسحور |
للحميا في فيه طعم وفي عينيه | سكر وفوق خديه نور |
من سجايا الصلاح أبهى وهذا | مثل دون قدره مذكور |
ما رياض بنورها زاهرات | غردت في غصونهن الطيور |
كل غصن عليه من خلع النور | رداء ضاف ووشي حبير |
ورقها في منابر الأيك منها | واعظات من شأنها التذكير |
وكأن الروض الأنيق كتاب | وكأن الأشجار فيه سطور |
أشبه الشرب فيه شارب ألمى | أخضر النبت والرضاب نمير |
وكأن الهزار راهب دير | بألحانه تحلى الزبور |
وكأن القمري مقرئ آي | قد صفا منه صوته والضمير |
كمعاني مدحيك حسنا ومن أين | يباري البحر الخضم الغدير |
مستجير جوري وإني منه | بابن أيوب يوسف مستجير |
أنت من لم يزل يحن إليه | وهو في المهد سرجه والسرير |
فضله في يد الزمان سوار | مثلما رايه على الملك سور |
كرم سابغ وجود عميم | وندى سائغ وفضل غزير |
راحة أم سحابة وبنان | أم غمام وأنحل أم بحور |
كل يوم إلى عداك من الدهر | عداك المخوف والمخدور |
وتولى وليك الطالع السعد | وعادى عدوك التقدير |
سار بالمكرمات ذكرك في الدنيا | وإن اليسير منها يسير |
للحيا والحياء ما إن في كفك | والوجه سائل وعصير |
لقد استعذبت لديك المرارات | كما استسهلت إليك الوعور |
من دم الغادرين غادرت بالأمس | صعيد الصعيد وهو غدير |
ولكل مما تطاولت فيهم | أمل قاصر وعمر قصير |
لاذ بالنيل شاور مثل فرعون | فذل اللاجي وعز العبور |
شارك المشركين بغيا وقدما | شاركتها قريظة والنضير |
والذي يدعي الإمامة بالقاهرة | ارتاع إنه مقهور |
وغدا الملك خائفا من سطاكم | ذا ارتعاد كأنه مقرور |
وبنو الهنفري هانوا ففروا | ومن الأسد كل كلب فرور |
إنما كان للكلاب عواء | حيثما كان للأسود زئير |
وقليب عند الفرار سليب | فهو بالرعب مطلق مأسور |
لم يبقوا سوى الأصاغر للسبي | فودوا أن الكبير صغير |
وحميت الأسكندرية عنهم | ورحى حربهم عليهم تدور |
حاصروها وما الذي بان من ذبك | عنها وحفظها محصور |
كحصار الأحزاب طيبة قدما | وبني الهدى بها منصور |
فاشكر الله حين أولاك نصرا | فهو نعم المولى ونعم النصير |
ولكم أرجف الأعادي فقلنا | ما لما تذكرونه تأثير |
ولجأنا إلى الإله دعاء | فاوجه الدعاء منه سفور |
وعلمنا أن البعيد قريب | عنده والعسير سهل يسير |
ورقبنا كالعيد عودك فاليوم | به للأنام عيد كبير |
مثلما يرقب الشفاء سقيم | أو كما يرتجي الثراء فقير |
عاد من مصر يوسف وإلى يعقوب | بالتهنئات جاء البشير |
عاد منها بالحمد والحمد لله | تعالى فإنه المشكور |
فلأيوب من إياب صلاح الدين | يوم به توفي النذور |
وكذا إذا قميص يوسف لاقى | وجه يعقوب عاد وهو بصير |
ولكم عودة إلى مصر بالنصر | على ذكرها تمر العصور |
فاستردوا حق الإمامة ممن | خان فيها فإنه مستعير |
وافترعها بكرا لها في مدى الدهر | رواح في مدحكم وبكور |
أنا سيرت طالع العزم مني | وإلى قصدك انتهى التسيير |
وأرى خاطري لمدحك إلفا | إنما يألف الخطيرَ الخطيرُ |
بعقود من در نظمي في المدح | تحلى بها العلى لا النحور |
ولك المأثرات في الشرق والمغرب | يروى حديثها المأثور |
وببغداد قيل إن دمشقا | ما بها للرجا سواك مجير |
ما يرى ناظر نظيرك فيها | فهي روض بما تجود نضير |
لطاوي الإقبال عندك نشر | ولميت الآمال منك نشور |
ومن النائبات أني مقيم | بدمشق وللمقام شهور |
لا خليل يقول هذا نزيل | لا أمير يقول هذا سمير |
لست ألقى سوى وجوه وأيد | وقلوب كأنهم صخور |
سرقت كسوتي وبان من الكل | توان في ردها وقصور |
واعتذار الجميع أن الذي تم | قضاء في لوحه مسطور |
ولعمري هذا صحيح كما قالوا | ولكن قلبي به مكسور |