لك الفوز من صوم زكي ومن فطر
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
لك الفوز من صوم زكي ومن فطر | وصلتهما بالبر شهرا إلى شهر |
فناطق صدق عنك بالصدق والنهى | وشاهد عدل فيك بالعدل والبر |
فهذا بما استقبلت من صائب الندى | وهذا بما زودت من وافر الذخر |
فكم شافع في ظلك الصوم بالتقى | وكم واصل في أمنك الليل بالذكر |
وكم ساجد لله منا وراكع | يبيت على شفع ويغدو على وتر |
ووجهك للهيجاء من دون وجهه | وتسري إلى الأعداء عنه ولا يسري |
وظلك ممدود عليه وتصطلي | بجاحم نار الحرب أو جامد القر |
خلعت عليه ثوب صون ونعمة | وظاهرت عنه بين صن وصنبر |
وكم قاطع بالنوم ليلا وصلته | بغزوك ما بين الأصيل إلى الفجر |
وأقدمت فيه الخيل حتى رددتها | وآثارها ثغر لقاصية الثغر |
كأن دجى ليل يمر على الضحى | إذا سرن أو بحرا يمور على البر |
فأنت جزاء صومنا وصلاتنا | وفيك رأينا ما ابتغينا من الأجر |
ومنك استمد الفطر مطعم فطرنا | وفيك أرتنا قدرها ليلة القدر |
وباسمك عزت في الخطاب منابر | بأسعد عيد عاد بالسعد أو فطر |
ولاح لنا فيه هلال كأنه | بشير بفتح منك أشرق بالبشر |
وأسفر عن زهر النجوم كأنما | جبينك أبدى عن خلائقك الزهر |
علا وتدانى للعيون كما علا | محلك واستدنيت بعدا عن الكبر |
وذكرنا عطفا بعطفك حانيا | على الدين والإسلام في البدو والحضر |
هلال مساء بات يضمن للضحى | غداة المصلى مطلع الشمس والبدر |
وملء عيون الناظرين كتائبا | كتبت بها الآفاق سطرا إلى سطر |
مخططة بالخيل والأسد والحلى | ومعجمة بالبيض والبيض والسمر |
وصادقة الإقدام تهتز للوغى | وخانقة الأعلام تعتز بالنصر |
فصليت وهي النور في مشرق العلا | وأصليت وهي النار في مغرب الكفر |
ولما استهلت بالسلام صلاتهم | أهلت إلى تسليمهم سدة القصر |
فكروا يعيدون السلام على الذي | يعاود عنهم في العدى صادق الكر |
يحيون بالإعظام مولى حنانه | أخص بهم من رأفة الوالد البر |
ووافوا سرير الملك يستلمونه | كمستلم الحجاج للركن والحجر |
مشاهد غارت في البلاد وأنجدت | محققة الأنباء طيبة النشر |
أنارت فما بالخلد عنهن من عمى | ولا بزباب الرمل عنهن من وقر |
فكيف بأبصار أضاءت لها المنى | إليك وأسماع صغت فيك للجبر |
ولا مثل مجلو النواظر بالعدى | بياتا ومفتوق المسامع بالذعر |
توقى فأبلى عذر ناج مخاطر | فرد المنايا عنه مبلية العذر |
وآنس يا منصور عندك نفسه | فجلى لها تحت الدجى ناظري صقر |
فأهوى إلى مثواك أمضى من الهوى | وأسرى إلى مأواك أخفى من السر |
فكم جزت من سيف لقتلي منتضى | وجاوزت من ليث لضغمي مفتر |
فيا خزي ذا من سبق خطو مخاطر | ويا لهف ذا من فوت غرة مغتر |
كأن خفوق القلب مد جوانحي | بأجنحة ريشت من الروع والذعر |
وتحت جناحي مقدمي وتعطفي | ثمان وعالت بالبنين إلى الشطر |
أخذت لهم إصر الحياة فأجلوا | وقد أخذ الإشفاق مني لهم إصري |
فحملتهم وزرا ولو خف منهم | جناحي لكان الطود أيسر من وزري |
فلله من أعداد أنجم يوسف | تحملها منها أقل من العشر |
إلى كل مأوى للجلاء هوى بنا | إلى حيث لا مهوى عقاب ولا نسر |
رحلت له عوجا كأن هويها | بنا فيه أفلاك بأنجمها تجري |
طوين بنا بعد السفار كأنها | ليال وأيام طوين مدى العمر |
وربتما استودعننا بطن حرة | هوائية الأحشاء مائية الظهر |
رحيبة مأوى الضيف مانعة القرى | وغير ذميم أن تضيف ولا تقري |
فكم لي بين اللوح واللوح طائرا | وأوكارهم في طائر غير ذي وكر |
وكم أسلموا للعسف والخسف من حمى | وكم تركوا للغصب والنهب من وفر |
وكم وجهوا وجها لبارقة الظبى | وكم وطنوا نحرا لنافذة النحر |
وكم أقدموا بين المنايا كما هوت | فرائس أسد الغاب للناب والظفر |
وكم بدلوا من وجه راع وحافظ | وجوه المنايا السود والحدق الحمر |
ومن رفرف الأستار دون حجالها | ترقرق لمع الآل في المهمه القفر |
ومن ساجع الأطيار فوق غصانها | مراسلة الألحان في نغم الوتر |
تنادي عزيف الجن في ظلم الدجى | وهول التطام الموج في لجج البحر |
وكم زفرة نمت عليهم بحسرة | أنارت بنار السر في علم الجهر |
ونادت عيون الشامتين إلى القرى | بأفلاذ أكباد كصالية الجزر |
وماذا جلا وجه الجلاء محاسنا | تهاب العيون ما نثرن من الدر |
وماذا تلظى الحر في حر أوجه | تنسم فيه برد ظل على نهر |
وماذا أجن الليل في موحش الفلا | أوانس بالأتراب في يانع الزهر |
وماذا ترامى الموج في غول لجة | بلاهية بين الأرائك والخدر |
فإن نبت الأوطان من بعد عنهم | فلا محجري حجر عليهم ولا حجري |
وإن ضاق رحب الأرض عن منتواهم | فرحب لهم ما بين سحري إلى نحري |
وإن تقس أكباد كرام عليهم | فواكبدي ممن تذوب له صخري |
وإن تبرم الأيسار في أزماتهم | فأحبب بأيسار قمرت لهم يسري |
ففازوا بنفسي غير جزء ذخرته | لما شف من خطب وما مس من ضر |
فعفو لهم جهدي وحلو لهم مري | وصفو لهم طرفي ويسر لهم عسري |
وإن أضرموا قلبي فجمري لهم ند | وإن غيضوا شربي فروضي لهم مثر |
ودائع نفسي عند نفسي حفظتها | بما ضاع من حقي وما هان من قدري |
قليل غناهم عن يدي وغناؤهم | سوى أنهم من ضيم كسبي لهم عذري |
وأني لهم في ماء وجهي تاجر | أغنمهم غنمي وأربحهم خسري |
وأسلم في وخز السفى ثمر المنى | وأبذل في قذف الحصى جوهر الشكر |
وإن نفقت عندي بضاعة قانع | تقنعت منها في خزاية معتر |
رجاء لضمر طال ما قد عهدته | يرينى أناة السهل في المسلك الوعر |
وخزيا لوجه هان في صون أوجه | كريم بهم ربحي لئيم بهم تجري |
بعدة أبراج السماء وما سرى | مداها إلى صبح يضيء ولا فجر |
وكيف وما فيها معرج منزل | لشمس تجلي ليل هم ولا بدر |
ولكن قلوب قسمت وجوانح | منازل مقدورا لها نوب الدهر |
وأنجم أنواء تنوء بها النوى | وليس لها إلا دموعي من قطر |
ولا مطلع إلا مهادي أو حجري | ولا مغرب إلا ضلوعي أو صدري |
إذا ازدحموا في ضنك شربي تمثلوا | بأسباط موسى حول منفجر الصخر |
ولو بعصا موسى أفجر شربهم | ولكن بذل الفقر في عزة الوفر |
فما جهدوا فلكا كما جهدوا يدي | ولا أنقضوا رحلا كما أنقضوا ظهري |
كأن لهم وترا علي وما انتحى | لهم حادث إلا وفي نفسه وتري |
ولولاهم لم أبد صفحة معدم | ولم أسمع الأعداء دعوة مضطر |
ولا جدت للدنيا بخلة واصل | ولو برزت لي في غلائلها الخضر |
ولا راقني ما في الخدود من الهوى | ولا شاقني ما في العيون من السحر |
ولم يلهني قرب الحبيب الذي دنا | ولم يصبني طيف الخيال الذي يسري |
وناديت في بيض النضار وصفرها | لغيري فابيضي إذا شئت واصفري |
وأعليت في ملك القناعة همتي | وهدي الهدى حصني ونهي النهى قصري |
إذا غزت اللذات قلبي هزمتها | بجيشين من حسن التجمل والصبر |
وإن غزت الآمال نفسي صرمتها | بصارم يأس في يمين تقى حر |
ولكنأبي ما في الفؤاد من الأسى | وأعضل ما بين الضلوع من الجمر |
وما لف عهد الله في ثوب غربتي | من الآنسات الشعث والأفرخ الزعر |
وما لاح يا منصور منك لزائر | وأسفر من إشراق وجهك للسفر |
وما أرصدت يمناك للضيف من قرى | وما بسطت علياك للعلم من بر |
وتقدير رب الخلق والأمر إذ قضى | بخلقك فاستصفاك للخلق والأمر |
فمكن سيف النصر في عاتق العلا | وأثبت تاج الملك في مفرق الفخر |
وكرم نفس الحلم عن وغر القلى | وطهر جسم المجد من دنس الغدر |
وحلاك في هذا الأنام شمائلا | أدال بهن اليسر من دولة العسر |
وسماك في الأعداء منذر بأسه | بما اشتق فينا من وفائك بالنذر |
فلما توافى فيك إبداع صنعه | وقدر أن يعليك قدرا إلى قدر |
رآك جديرا أن يباهي خلقه | ويحيى بك الأملاك في غابر الدهر |
بعبد حبا يمناك معجز ربه | واصفاك منه طاعة المخلص الحر |
فانطق غربي قلبه ولسانه | بتخليد ما سيرت من طيب الذكر |
يبليك عمرا بالغا بك غاية | وعمر ثناء بعد منصرم العمر |
ويكتب لي في آل يحيى وسائلا | تتيه على القربى وتزهى على الصهر |
ولاء لمن أعتقت من موبق الردى | ورق لمن أطلقت من موثق الأسر |
وما رد من حمدي إليك ومن شكري | وردد من نظمي عليك ومن نثري |
وإنك ما تنفك مني معرسا | بعذراء من نفسي وغراء من فكري |
نهل إليها كل عذراء غادة | وتخجل منها كل فتانة بكر |
وتشرق من مبدا سهيل إلى السهى | وتعبق من مجرى البطين إلى الغفر |
تلألؤ ما أسدت أياديك في يدي | وتحبير ما أعلت مساعيك من حبري |
وفخرك محمول بحمدي في الورى | وذكرك موصول بذكري إلى الحشر |