قل للربيع اسحب ملاء سحائب
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
قل للربيع اسحب ملاء سحائب | فاجرر ذيولك في مجر ذوائبي |
لا تكدين ومن ورائك أدمعي | مددا إليك بفيض دمع ساكب |
وصبابة أنفاسها لك أسوة | إن ضاق ذرعك بالغمام الصائب |
وامزج بطيب تحيتي غدق الحيا | فاجعله سقي أحبتي وحبائبي |
عهدا كعهدك من عهاد طالما | كست البرود معاهدي وملاعبي |
واجنح لقرطبة فعانق تربها | عني بمثل جوانحي وترائبي |
حيث استكانت للعفاء منازلي | وهوت بأفلاذ الفؤاد نجائبي |
ذللا تعسفن الدجى بأذلة | ولواغبا جبن الفلا بلواغب |
وكواكب ناءت بغربتها النوى | فقضت مدامعها بنوء الغارب |
من كل مفجوع بترحة راحل | لم يسله طمع بفرحة آيب |
كذبته بارقة المنى عن صادق | من ظنه وصدقنه عن كاذب |
ظعن سرين الليل ضربة لازم | وسرى إليها الهم ضربة لازب |
جمدت عليهن القلوب فأسبلت | فوق المحاجر كل قلب ذائب |
وتخازرت عنها العيون فأبرزت | عن أعين بدمائهن سواكب |
وتقطعت أسبابهن لطية | وصلت بهن سباسبا بسباسب |
يطلبن شأو غرائب لي كلما | نأت البلاد حللن غير غرائب |
لحقت بأسباب السماء فأعطيت | فيها خلود أهلة وكواكب |
وأعدت الأزمان ماء شبابها | لحنو ظهر أو لرأس شائب |
وعقدن بالأبد الأبيد وإن نأى | حلفين حلف مساير ومعاقب |
ما بل بحر صوفة وتقاذفت | أمواجه بشمائل وجنائب |
هدما إلى هدم وحفظ دم دما | حدب بعطف مشاكه ومناسب |
زهر طوالعها لكل غد غد | وجزاؤها رهن بأمس الذاهب |
تشدو بها خضر الحمام وحظها | عنقاء ريعت بالغراب الناعب |
الأرض التي هي فاركي | وكسوتها الدهر الذي هو سالبي |
وملأت منهن العقول عجائبا | ولنقص حظي من تمام عجائبي |
غربت الرغائب والمسيح مورثي | إحياء آثاري وخلد مناقبي |
شوارد في الأرض غير أوابد | وطوالع في الجو غير غوارب |
وقد قضيت من الصبابة حقها | فقضت من الأمل البعيد مآربي |
فمنها الصبر الجميل فأسفرت | في آل يحيى عن جميل عواقب |
وشددت عقد ختامها فاستفتحت | بمكارم المنصور ضيق مذاهبي |
فهل أنت يا زمن الربيع مبلغ | بالمغربين أحبتي وأقاربي |
أن الربيع لدي شيمة قاطن | وحيا الغمام علي ديمة دائب |
من بعد ما غم الصباح لناظري | واشتف مني البحر جرعة شارب |
وأنست بالأهوال حتى لم أبل | ألقاء أسد أم لقاء ثعالب |
لم أنشبت في الخطوب مخالبا | حتى انثنت عني بغير مخالب |
وشفيت سم عقارب بأساود | ودفعت سم أساود بعقارب |
حتى تزفن سمومهن فلم يرع | من نافثات السم ليل الحاطب |
وسدكت بالغمرات حتى بلدت | فرمين حبلي فوق ذروة غارب |
ادراكتني ذمة من يعرب | مطرت علي ثمار جنة مارب |
فهناك أنصلت الأسنة وانتحى | سيفي بها مسحا بسوق ركائبي |
ورفعت نارا للعيون وقودها | أقتاب أحداجي ووقر حقائبي |
نعم تكاد ترد أيام الصبا | وتعيد أزمان النعيم الذاهب |
أيام ألقى الصبح ترب كواكب | أدبا وأحيي الليل خلب كواعب |
والمكرمات منازلي ومشاهدي | والمقربات مراكبي ومراقبي |
إذا أنت يا زمن الربيع مخيم | في ساحلي ومغيم من جانبي |
عبق الروائح من نثير غدائري | غدق السحائب من فضول مشاربي |
وتروح مغتبقا شمول شمائلي | وتعود مصطبحا ضريب ضرائبي |
تغدو فتستملي بديع محاسني | وتروح تستقري نفيس غرائبي |
وتبيت تنشر في الأباطح والربى | زهرا يخبر عنك أنك كاتبي |
مما ترف به رياض حدائقي | ويفيض جوهره عباب غواربي |
فنظمتها في كل أفق ناذح | وبعثتها مع كل نجم ثاقب |
ونظمت يا منصور ذكرك وسطها | نظم العقود على ترائب كاعب |
ذكر على الألباب أكرم نازل | وعلى فجاج الأرض أوضح راكب |
سور لمجدك رفعت آياتها | أعلام آدابي وذكر مناقبي |
فواتح من كل مدح سائر | وخواتم من كل حمد ذاهب |
استشرف الثقلان أخطب شاعر | وأصاخت الدنيا لأشعر خاطب |
فخطبت والعواء بعض منابري | وأممت والجوزاء بعض محاربي |
وكتبت منها لليالي مصحفا | تتلوه ألسنة الزمان الدائب |
حتى تركت سناء ملكك حاضرا | في كل أفق عن بلادك غائب |
وجلوت للدنيا مثالك في الوغى | تختال بين ذوابل وقواضب |
وأريتك الأمم الخلوف متوجا | بخوافق ومكللا بكتائب |
ورفعت ستر الليل عنك لغابر | ومقدم ومباعد ومقارب |
حتى أريتهم السنا تحت الدجى | وخيال سار في مخيلة سارب |
طيار بارقة الوغى بمقادم | كقوادم ومواكب كمناكب |
حتى ابن شنج يوم أمك خاضعا | تسعى إليك به ندامة تائب |
من بعد ما راز البلاد فلم يجد | في الأرض عن مأواك مهرب هارب |
ورأى الضلال عليك أضعف ناصر | ورأى الفرار إليك أيمن صاحب |
ودعاك معترفا بذلة مذنب | وأتاك مشتملا بمبسة راهب |
ولقد تراءت في ذراك مطالعي | حين استبد تغربي بمغاربي |
فختمت طول تقلبي بتقبلي | وجزيت غر غوائبي برغائب |
وأجرتني من كل خطب طارق | حتى مناجاة الرجاء الخائب |
ووجدت عند يديك سد مفارقي | وسلو أحزاني وبرء مصائبي |
ولقد تجلى العيد عنك بغرة | جلاءة لفوادح وغياهب |
يتلوك حاجبك الذي أنجبته | كالشمس إذ ضربت إليك بحاجب |
في مشهد بسد جبينك مشرق | شرق بآساد وجرد سلاهب |
غر تواعد للطعان صواهل | تختال بين مخاطب ومجاوب |
حتى ارتقيت سرير ملكك حفه | نور السرور جوانبا بجوانب |
ومددت للتقبيل راحة منعم | تنهل أنملها بحور مواهب |
وتكاد تهتف عنك هل من راغب | أو راهب أو خائف أو طالب |
فاسلم وكن للأرض آخر عامر | ولغالب الأعداء أول غالب |