أبشراك من طول الترحل والسرى
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أبشراك من طول الترحل والسرى | صبح بروح السفر لاح فأسفرا |
من حاجب الشمس الذي حجب الدجى | فجرا بأنهار الندى متفجرا |
نادى بحي على الندى ثم اعتلى | سبل العفاة مهللا ومكبرا |
لبيك أسمعنا نداك ودوننا | نوء الكواكب مخويا أو ممطرا |
من كل طارق ليل همي ينتحي | وجهي بوجه من لقائك أزهرا |
سار ليعدل عن سمائك أنجمي | وقد ازدهاها عن سناك محيرا |
فكأنما أغرته أسباب النوى | قدرا لبعدي عن يديك مقدرا |
أو غار من هممي فأنحى شأوها | فلك البروج مغربا ومغورا |
حتى علقت النيرين فأعلقا | مثنى يدي ملك الملوك النيرا |
فسريت في حرم الأهلة مظلما | ورفلت في خلع السموم مهجرا |
وشعبت أفلاذ الفؤاد ولم أكد | فحذوت من حذو الثريا منظرا |
ست تسراها الجلاء مغربا | وحدا بها حادي النجاء مشمرا |
لا يستفيق الصبح منها ما بدا | فلقا ولا جدي الفراقد ما سرى |
ظعن ألفن القفر في غول الدجى | وتركن مألوف المعاهد مفقرا |
يطلبن لج البحر حيث تقاذفت | أمواجه والبر حيث تنكرا |
هيم وما يبغين دونك موردا | أبدا ولا عن بحر جودك مصدرا |
من كل نضو الآل محبوك المنى | يزجيه نحوك كل محبوك الفرا |
فدت منا دماء نحورها | ببغائها في كل أفق منحرا |
بنا صدر الدبور فأنبطت | قلق المضاجع تحت جو أكدرا |
وصبت إلى نحو الصبا فاستخلصت | سكن الليالي والنهار المبصرا |
غوص نفخن بنا البرا حتى انثنت | أشلاؤهن كمثل أنصاف البرا |
سرت لنا ألا تلاقي راحة | مما تلاقي أو تلاقي منذرا |
وتقاسمت ألا تسيغ حياتها | دون ابن يحيى أو تموت فتعذرا |
لله أي أهلة بلغت بنا | يمناك يا بدر السماء المقمرا |
بل أي غصن في ذراك هصرته | نخر فأورق في يديك وأثمرا |
فلئن صفا ماء الحياة لديك لي | فبما شرقت إليك بالماء الصرى ب |
ولئن خلعت علي بردا أخضرا | فلقد لبست إليك عيشا أغبرا |
ولئن مددت علي ظلا باردا | فلكم صليت إليك جوا مسعرا |
وكفاك من جعل الحياة بضاعة | ورأى رضاك بها رخيصا فاشترى |
فمن المبلغ عن غريب نازح | قلبا يكاد علي أن يتفطرا |
لهفان لا يرتد طرف جفونه | إلا تذكر عبرتي فاستعبرا |
أبني لا تذهب بنفسك حسرة | عن غول رحلي منجدا أو مغورا |
فلئن تركت الليل فوقي داجيا | فلقد لقيت الصبح بعدك أزهرا |
ولقد وردت مياه مارب حفلا | وأسمت خيلي وسط جنة عبقرا |
ونظمت للغيد الحسان قلائدا | من تاج كسرى ذي البهاء وقيصرا |
وحللت أرضا بدلت حصباؤها | ذهبا يرف لناظري وجوهرا |
وليعلم الأملاك أني بعدهم | ألفيت كل الصيد في جوف الفرا |
ورمى علي رداءه من دونهم | ملك تخير للعلا فتخيرا |
ضربوا قداحهم علي ففاز بي | من كان بالقدح المعلى أجدرا |
من فك طرفي من تكاليف الفلا | وأجار طرفي من تباريح السرى |
وكفى عتابي من ألام معذرا | وتذممي ممن تجمل معذرا |
ومسائل عني الرفاق ووده | لو تنبذ السادات رحلي بالعرا |
وبقيت في لجج الأسى متضللا | وعدلت عن سبل الهدى متحيرا |
كلا وقد آنست من هود هدى | ولقيت يعرب في القيول وحميرا |
وأصبت في سبأ مورث ملكه | يسبي الملوك ولا يدب لها الضرا |
فكأنما تابعت تبع رافعا | أعلامه ملكا يدين له الورى |
والحارث الجفني ممنوع الحمى | بالخيل والآساد مبذول القرى |
وحططت رحلي بين ناري حاتم | أيام يقري موسرا أو معسرا |
ولقيت زيد الخيل تحت عجاجة | يكسو غلائلها الجياد الضمرا |
وعقدت في يمن مواثق ذمة | مشدودة الأسباب موثقة العرى |
وأتيت بحدل وهو يرفع منبرا | للدين والدنيا ويخفض منبرا |
أوخططت بين جفانها وجفونها | حرما أبت حرمانه أن تحفرا |
تلك البحور تتابعت وخلفتها | سعيا فكنت الجوهر المتخيرا |
ولقد نموك ولادة وسيادة | وكسوك عزا وابتنوا لك مفخرا |
فعمرت بالإقبال أكرم أكرم | ملكا ورثت علاه أكبر أكبرا |
وشمائل عبقت بها سبل الهدى | وذرت على الآفاق مسكا أذفرا |
أهدى إلى شغف القلوب من الهوى | وألذ في الأجفان من طعم الكرى |
ومشاهد لك لم تكن أيامها | ظنا يريب ولا حديثا يفترى |
لاقيت فيها الموت أسود أدهما | فذعرته بالسيف أبيض أحمرا |
ولو اجتلى في زي قرنك معلما | لتركته تحت العجاج معفرا |
يا من تكبر بالتكرم قدره | حتى تكرم أن يرى متكبرا |
والمنذر الأعداء بالبشرى لنا | صدقت صفاتك منذرا ومبشرا |
ما صور الإيمان في قلب امرئ | حتى يراك الله فيه مصورا |
فارفع لها علم الهدى فلمثلها | رفعتك أعلام السيادة في الذرى |
وانصر نصرت من السماء فإنما | ناسبت أنصار النبي لتنصرا |
واسلم ولا وجدوا لجوك منفسا | في النائبات ولا لبحرك معبرا |