لأمدحن بني المهلب مدحة
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لأمْدَحَنّ بَني المُهَلَّبِ مِدْحَةً | غَرّاءَ ظَاهِرَةً على الأشْعَارِ |
مِثْلَ النّجُومِ، أمامَها قَمَرٌ لهَا | يجلو الدُّجى وَيُضِيءُ لَيلَ السارِي |
وَرِثوا الطِّعانَ عن المُهلّبِ وَالقِرَى | وَخَلائِقاً كَتَدَفّقِ الأنْهَارِ |
أمّا البَنُونَ، فإنّهُمْ لمْ يُورَثُوا | كَتُرَاثِهِ لِبَنِيهِ يَوْمَ فَخَارِ |
كلَّ المكارِمِ عَن يَديهِ تَقَسّموا | إذْ ماتَ رِزْقُ أرَامِلِ الأمْصَارِ |
كانَ المُهَلّبُ للعِرَاقِ سَكِينَةً، | وَحَيَا الرّبِيعِ وَمَعْقِلَ الفُرَّارِ |
كَمْ مِنْ غِنىً فَتَحَ الإلَهُ لهم بهِ | وَالخَيْلُ مُقْعِيَةٌ على الأقْتَارِ |
وَالنَّبلُ مُلجَمَةٌ بِكُلّ مُحَدرَجٍ | منْ رِجلِ خاصِبَةٍ من الأوْتارِ |
أمّا يَزِيدُ، فإنّهُ تَأبَى لَهُ | نَفْسٌ مُوَطَّنَةٌ على المِقْدَارِ |
وَرّادَةٌ شُعَبَ المَنِيّةِ بِالقَنَا، | فَيُدِرُّ كُلُّ مُعَانَدٍ نَعّارِ |
شُعَبَ الوَتِينِ بِكُلّ جائِشَةٍ لهَا | نَفَثٌ يَجيشُ فَماهُ بالمِسْبارِ |
وَإذا النفوسُ جشأنَ طامنَ جأشهَا | ثِقَةً بِهَا لحِمَايَةِ الأدْبَارِ |
إني رَأيْتُ يَزيِدَ عِنْدَ شَبَابِهِ | لَبِسَ التّقَى، وَمَهَابَةَ الجَبّارِ |
مَلِكٌ عَلَيْهِ مَهَابَةُ المَلِكِ التقى | قَمَرُ التّمامِ بهِ وَشَمْسُ نَهارِ |
وَإذا الرّجالُ رَأوْا يَزِيدَ رَأيتَهُمْ | خُضُعَ الرّقاب نَوَاكِسَ الأبصَارِ |
لأغَرَّ يَنْجَابُ الظّلامُ لِوَجْهِهِ | وَبهِ النّفوسُ يَقَعنَ كلَّ قَرَارِ |
أيَزِيدُ إنّكَ للمُهَلّبِ أدْرَكَتْ | كَفّاك خَيْرَ خَلائِقِ الأخْيَارِ |
مَا مِنْ يَدَيْ رَجُلٍ أحَقّ بما أتَى | من مَكُرماتِ عَظايمِ الأخطارِ |
مِنَ ساعِدَينِ يَزِيدَ يَقدَحُ زَندَه | كَفّاهُما وَأشَدّ عَقْدِ جِوَارِ |
وَلَوَ أنّهَا وُزِنَتْ شَمَامِ بِحِلْمهِ | لأمَالَ كُلَّ مُقِيمَةٍ حَضْجَارِ |
وَلَقَدْ رَجَعتَ وَإنّ فارِسَ كُلَّها | مِنْ كُرْدِها لخوَائِفُ المُرّارِ |
فَتَرَكْتَ أخْوَفَها وَإنّ طَرِيقَها | لَيَجُوزَهُ النّبَطيُّ بِالقِنْطارِ |
أمّا العرَاقُ فلمْ يكُنْ يُرْجَى بهِ، | حَتى رَجَعْتَ، عَوَاقِبُ الأطْهارِ |
فَجَمَعتَ بَعْدَ تَفَرّقٍ أجنادَهُ | وَأقَمْتَ مَيْلَ بِنَائِهِ المُنْهَارِ |
وَلْيَنزِلَنّ بجِيلِ جَيْلانَ الّذِي | تَرَكَ البُحَيْرَةَ، مُحصَدَ الأمْرَارِ |
جَيشٌ يَسيرُ إلَيهِ مُلتمِسَ القِرَى | غَصْباً بِكُلّ مَسَوَّمٍ جَرّارِ |
لَجِبٍ يَضِيقُ به الفضَاءُ إذا غدَوْا | وَأرَى السّمَاءَ بِغَابَةٍ وَغُبَارِ |
فِيه قَبائِلُ مِنْ ذَوِي يَمَنٍ لَهُ | وَقُضَاعَةَ بنِ مَعَدّها وَنِزَارِ |
وَلَئنْ سَلِمتَ لتَعطِفنّ صُدورَها، | للتُّرْكِ، عِطْفَةَ حَازِمٍ مِغْوَارِ |
حَتى يَرَى رَتْبِيلُ مِنْهَا غَارَةً | شَعْوَاءَ غَيْرَ تَرَجّم الأخْبَار |
وَطِئَتْ جِيادُ يَزِيدَ كُلَّ مَدينَةٍ | بَينَ الرُّدُومِ وَبَينَ نَخلِ وَبارِ |
شُعْثاً مُسَوَّمَةً، عَلى أكْتَافِهَا | أُسْدٌ هَوَاصِرُ للكُمَاةِ ضَوَارِ |
ما زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَداهُ إزَارَهُ | فَدَنَا فأدرَكَ خَمسَةَ الأشْبَارِ |
يُدني خَوَافقَ من خَوَافقَ تَلتَقي | في كُلّ مُعتَبَطِ الغُبارِ مُثَارِ |
وَلَقَدْ بَنى لبَني المُهَلّبِ بَيتَهمْ | في المَجدِ أطوَلُ أذرُعٍ وَسَوَارِي |
بُنِيَتْ دَعَائِمُهُ على جَبَلٍ لهمْ | وَعلَتْ فَوَارِعُهُ على الأبْصَارِ |
تَلقَى فَوَارِسَ للعَتِيكِ كأنّهُمْ | أُسْدٌ قَطَعْنَ سَوَابِلَ السُّفّارِ |
ذَكَرَينِ مُرْتَدِفَينِ كُلّ تَقَلّصٍ | ذَكَرٍ شَديدِ إغارَةٍ الإمْرَارِ |
حَملوا الظُّباتِ على الشؤون وأقسموا | لَيُقنِعُنّ عِمَامَةَ الجَبّارِ |
صَرَعوهُ بيْنَ دكادِكٍ في مَزْحَفٍ | للخَيْلِ يُقحِمُهُنّ كلَّ خَبارِ |
مُتَقَلّدي قَلَعِيّةٍ وَصَوَارِمٍ | هندِيّةٍ، وَقَدِيمَةِ الآثَارِ |
وَعَوَاسِلٍ عَسْلَ الذّئابِ كأنّها | أشْطَانُ بَائِنَةٍ مِنَ الآبَارِ |
يَقصِمنَ إذْ طَعَنوا بها أقَرانَهُمْ | حَلَقَ الدّرُوعِ وَهنّ غَيرُ قِصَارِ |
تَلْقَى قَبَائِلَ أُمِّ كُل قَبِيلَةٍ | أُمُّ العَتِيكِ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ |
ولَدَتْ لأزْهَر كلَّ أصْيَدَ يَبتني | بالسّيفِ يَوْمَ تَعانُقٍ وَكِرَارِ |
يَحمي المكارِمَ بِالسّيوفِ إذا عَلا | صَوْتُ الظُّباتِ يُطِرْنَ كُلَّ شرَارِ |
مِنْ كلّ ذاتِ حَبَائِكٍ وَمُفَاضَةٍ | بَيْضَاءَ سَابِغَةٍ على الأظْفَارِ |
إنّ القُصُورَ بجِيلِ جَيلانَ الّتي | أعْيَتْ مَعاقِلُهَا بَني الأحْرَارِ |
فُتِحَتْ بسَيفِ بَني المُهَلّبِ، إنّها | لله عادَتُهُمْ على الكُفّارِ |
غَلَبوا بأنّهمُ الفَوَارِسُ في الوَغَى | والأكْثَرُونَ غَداةَ كُلِّ كِثارِ |
وَالأحلَمونَ إذا الحُلومُ تهَزْهزَتْ | بالقَوْمِ لَيسَ حُلُومُهُمْ بِصغارِ |
وَالقائِدُونَ إذا الجِيادُ تَرَوّحَتْ | وَمَضَينَ بَعد وَجىً على الحِزْوَارِ |
حتى يَرِعْنَ وَهُنّ حَوْلَ مُعَمَّمٍ | بالتّاجِ في حَلَقِ المُلوكِ نُضَارِ |