أتصرف عن ليلى بنا أم تزورها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أتَصْرِفُ عَنْ لَيْلى بِنا أمْ تَزُورُها، | وَمَا صُرْمُ لَيلى بَعدَما ماتَ زِيرُهَا |
فإنْ يَكُ وَارَاهُ التّرَابُ، فَرُبّمَا | تَجَرّعَ مِنّي غُصّةً لا يُحِيرُها |
ألا لِيَلُمْ مَنْ ضَنّ بِالمَالِ نَفْسَهُ، | إذا ضِبْرِمٌ بَانَتْ بلَيْلٍ خُدُورُها |
ألا رُبّما إنْ حَالَ لُقْمَانُ دُونَها | تَرَبّعَ بَينَ الأرْوَتَينِ أمِيرُهَا |
مُقَابَلَةَ الثّايَاتِ ثايات ضَابِىءٍ | مَرَاتِعَ مِنْهَا لا تُعَدّ شُهُورُها |
بِصَحْرَاءَ مِكْمَاءٍ تَرُدّ جُناتُها | إلَيها الجَنى في ثَوْبِ مَنْ يَستَثِيرُها |
إذا هي حَلّتْ في خُزَاعَةَ وَانْتَوَتْ | بها نِيّةٌ زَوْرَاءُ عَمّنْ يَزُورُها |
فَرُبّ رَبِيعٍ بِالبَلالِيقِ قَدْ رَعَتْ | بمُسْتَنّ أغْياثٍ بُعَاقٍ ذُكُورُها |
تَحَدّرَ قَبْلَ النّجْمِ مِمّا أمَامَهُ | من الدّلوِ وَالأشرَاطِ يجرِي غَديرُها |
وَرَحْلٍ حَمَلنا خَلفَ رَحلٍ وَناقَةٍ | تَرَكْنَا بعَطْشَى لا يُزَجّى حَسيرُها |
تَرَكْنَا عَلَيها الذّئْبَ يَلْطُمُ عَينَهُ | نهَاراً، بِزَوْرَاءِ الفلاةِ، نُسُورُها |
وَلمّا بَلَغْنَا الجَهْدَ مِنْ مَاجِداتها، | وَبَيّنَ مِنْ أنْسَابهِنّ شَجِيرُها |
تَجَرّدَ مِنها كُلُّ صَهْبَاءَ حُرّةٍ | لِعَوْهَجَ أوْ للدّاعِرِيّ عَصِيرُها |
مَشَى، بَعدَما لا مُخّ فِيهَا بِآدِها | نَجابَةُ جَدّيْها بهَا،، وَضَرِيرُها |
يَرُدّ على خَيْشومِها مِنْ ضَجَاجِها | لها بَعدَ جَذْبٍ بالخَشاشِ جَرِيرُها |
وَمَحْذُوّةٍ بَينَ الحِذَاءِ الّذِي لهَا، | وَبَينَ الحَصَى، نَعْلاً مُرِشّاً بَصِيرُها |
طَوَتْ رِحمَها مِنهُنّ كُلُّ نَجيبَةٍ | منَ المَاءِ وَالتَفّتْ عَليهِ سُتُورُها |
أتَيْنَاكَ مِنْ أرْضٍ تَمُوتُ رِياحُها | وَبالصّيْفِ لا يُلفى دَليلٌ يطورُها |
منَ الرّمْلِ رَملِ الحَوْشِ يَهلِكُ دونه | رَوَاحُ شَمالٍ نَيرَجٍ وَبُكورُها |
قَضَتْ ناقَتي ما كنتُ كَلّفت نحبَهَا | مِنَ الهَمّ والحاجِ البَعيدِ نَعُورُها |
إذا هيَ أدّتْني إلى حَيْثُ تَلْتَقي | طَوَالِبُ حَاجاتٍ، بَعِيدٍ مَسِيرُها |
إلى المُصْطَفَى بَعدَ الوَليّ الذي لَهُ | على النّاسِ نُعمَى يملأُ الأرْضَ نورُها |
وَكمْ من صَعُودٍ دونَها قَدْ مَشيتُها | وَهابِطَةٍ أُخْرَى يُقَادُ بَعِيرُها |
وَما أمَرَتْني النّفْسُ في رِحْلَةٍ لهَا، | فَيَأمُرَني إلاّ إلَيْكَ ضَمِيرُها |
وَلمْ تَدْنُ حَتى قُلْتُ للرَّكبِ: إنّكُم | لآتونَ عَينَ الشّمسِ حيثُ تَغُورُها |
فَلَمّا بَلَغْنَا أرْجَعَ الله رِحْلَتي، | وَشُقّتْ لَنَا كَفٌّ تَفيضُ بحُورُها |
نَزَلْنَا بِأيّوبٍ، ولمْ نَرَ مِثْلَهُ، | إذا الأرْضُ بالناسِ اقشعرّتْ ظهورُها |
أشدَّ قُوى حَبْلٍ لمَنْ يَسْتَجِيرُهُ، | وَأطْوَلَ، إذْ شَرُّ الحِبَالِ قَصِيرُها |
جَعَلْتَ لَنا للعَدْلِ بَعدكَ ضَامِناً، | إذا أُمّةٌ لمْ يُعْطِ عَدْلاً أمِيرُها |
أقَمتَ بهِ الأعناقَ بَعدَكَ فانتَهَتْ | إلَيْكَ بِأيْدي المُسلِمِينَ مُشِيرُها |
دَعَوْتَ لَهُمْ أنْ يجعَلَ الله خَيرَهم | وَأنْتَ بدَعْوَى بالصّوَابِ جَدِيرُها |
أرَادَ بهِ الباغونَ كَيْداً، فكادَهُمْ | بهِ رَبُّ بَرّاتِ النّفُوسِ خَبِيرُها |
ولَوْ كايَدَ العَهْدَ الّذي في رِقَابِهِمْ | لَهُ أخْشَبا جَنْبَيْ مِنىً وَثَبِيرُها |
لِيَنْقُضْنَ تَوْكيدَ العُهُودِ التي لَهُ | لأمسَتْ ذُرَاها وَهيَ دُكٌّ وَعُورُها |
وَقَوْمٍ أحاطَتْ لَوْ تُرِيدُ دِماءهُمْ | بِأعْنَاقهِمْ أعْمَالُهُمْ لَوْ تُثيرُها |
عَلَيْهِمْ رَأوْا مَا يَتّقُونَ من الذي | غَلتْ قِدرُهمْ إذ ذابَ عنها صُيورُها |
تجاوَزْتَ عَنهُم فَضْل حلمٍ كما عَفا، | بمُسكِنَ وَالهنديُّ تَعْلُو ذُكورُها |
أبُوكَ جُنُوداً بَعدَما مَرّ مُصْعَبٌ، | تَفَلّذَ عَنْهُ، وَهْوَ يَدْعو، كَثيرُها |
فَأنْتَ أحَقُّ النّاسِ بالعَدلِ وَالتُّقى | وَأنتَ ثَرَى الأرْضِ الحَيا وَطَهورُها |
فَأصْبَحْتُمَا فِينَا كَداودَ وَابنِهِ، | على سُنّةٍ يُهْدَى بها مَنْ يَسِيرُها |