رأيت نوار قد جعلت تجنى
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رَأيْتُ نَوَارَ قَدْ جَعَلَتْ تَجَنّى، | وَتُكْثِرُ لي المَلامَةَ وَالعِتَابَا |
وَأحْدَثُ عَهْدِ وُدّكَ بِالْغَوَاني | إذا مَا رَأسُ طَالِبِهِنّ شَابَا |
فَلا أسْطِيعُ رَدَّ الشّيْبِ عَنّي، | وَلا أرْجُو مع الكِبَرِ الشّبَابَا |
فَلَيْتَ الشّيْبَ يَوْمَ غَدَا عَلَيْنَا | إلى يَوْمِ القِيَامَةِ كَانَ غَابَا |
فَكَانَ أحَبَّ مُنْتَظَرٍ إلَيْنَا، | وَأبْغَضَ غَائِبٍ يُرْجَى إيَابَا |
فَلَمْ أرَ كَالشّبَابِ مَتَاعَ دُنْيَا؛ | وَلمْ أرَ مِثْلَ كِسْوَتِهِ ثِيَابَا |
وَلَوْ أنّ الشّبَابَ يُذَابُ يَوْماً | بِهِ حَجَرٌ مِنَ الجَبَلَينِ، ذَابَا |
فَإني يَا نَوارَ أبَى بَلائي | وَقَوْمي في المَقَامَةِ أنْ أُعَابَا |
هُمُ رَفَعُوا يَدَيّ فَلَمْ تَنَلْني | مُفَاضَلَةً يَدَانِ، وَلا سِبَابَا |
ضَبَرْتُ مِنَ المِئينَ وَجَرّبَتْني | مَعَدٌّ أُحْرِزُ القُحَمَ الرِّغَابَا |
بِمُطّلِعِ الرّهَانِ، إذا تَرَاخَى | لَهُ أمَدٌ، ألَحّ بِهِ وَثَابَا |
أمِيرَ المُؤمِنينَ، وَقَدْ بَلَوْنَا | أُمُورَكَ كُلَّهَا رُشْداً صَوَابَا |
تَعَلّمْ إنّمَا الحَجّاجُ سَيْفٌ، | تَجُذّ بِهِ الجَمَاجِمَ وَالرّقَابَا |
هُوَ السّيْفُ الذي نَصَرَ ابنَ أرْوَى | بِهِ مَرْوَانُ عُثْمَانَ المُصَابَا |
إذا ذَكَرَتْ عُيُونُهُمُ ابنَ أرْوَى | وَيَوْمَ الدّارِ أسْهَلَتِ انْسِكَابَا |
عَشِيّةَ يَدْخُلُونَ بِغَيرِ إذْنٍ | على مُتَوَكِّلٍ وَفّى، وَطَابَا |
خَلِيلِ مُحَمّدٍ وَإمَامِ حَقٍّ، | وَرَابعِ خَيرِ مَنْ وَطِىءَ التَرَابَا |
فَلَيْسَ بِزَايِلٍ للحَرْبِ مِنهُمْ | شِهَابٌ، يُطْفِئُونَ بِهِ شِهَابَا |
بِهِ تُبْنى مَكَارِمُهُمْ، وَتُمرَى | إذا مَا كانَ دِرّتُها اعْتِصَابَا |
وَخَاضِبِ لحيَةٍ غَدَرَتْ وَخَانَتْ، | جَعَلْتَ لِشَيْبِهَا دَمَهُ خِضَابَا |
وَمُلْحَمَةٍ شَهِدْتَ لَيَوْمِ بأسٍ، | تَزِيدُ المَرْءَ للأجَلِ اقْتِرَابا |
تَرَى القَلَعِيَّ وَالمَاذِيَّ فِيهَا | على الأبْطالِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا |
شَدخْتَ رُؤوسَ فِتيَتها فداخَتْ، | وَأبْصَرَ مَنْ تَرَبّصَهَا فَتَابَا |
رَأيْتُكَ حِينَ تَعْتَرِكُ المَنَايَا، | إذا المَرْعُوبُ للغَمَرَاتِ هَابَا |
وَأذْلَقَهُ النّفَاقُ، وَكَادَ مِنْهُ | وَجيبُ القَلبِ يَنْتَزِعُ الحِجَابَا |
تَهونُ عَلَيكَ نَفسُكَ وَهوَ أدْنى | لِنَفْسِكَ، عِندَ خالِقِها، ثَوَابَا |
فمَنْ يمنُنْ علَيكَ النّصرَ يكذِبْ، | سِوى الله الذي رَفَعَ السّحَابَا |
تَفَرّدَ بِالبَلاءِ عَلَيْكَ رَبٌّ، | إذَا نَاداهُ مُخْتَشِعٌ أجَابَا |
وَلَوْ أنّ الذي كَشّفْتَ عَنْهُمْ | مِنَ الفِتَنِ البَلِيّةَ وَالعَذَابَا |
جَزَوْكَ بها نُفُوسَهُمُ وَزَادُوا | لَكَ الأمْوَالَ، ما بَلَغُوا الثّوَابَا |
فَإني وَالّذِي نَحَرَتْ قُرَيْشٌ | لَهُ بمِنىً، وَأضْمَرَتِ الرّكَابَا |
إلَيْه مُلَبَّدِينَ، وَهُنّ خُوصٌ، | لِيَسْتَلِمُوا الأوَاسِيَ وَالحِجَابَا |
لَقدْ أصْبَحَتُ منكَ عَليّ فَضْلٌ، | كَفَضْلِ الغَيْثِ يَنفَعُ مَن أصَابَا |
وَلَوْ أني بِصينِ اسْتَانَ أهْلي، | وَقَدْ أغلَقْتُ من هَجْرَينِ بَابَا |
عَليّ رَأيْتُ، يا ابنَ أبي عَقيِلٍ، | وَرَائي مِنْكَ أظْفَاراً وَنَابَا |
فَعفْوُكَ، يا ابن يوسفَ، خيرُ عفوٍ، | وَأنْتَ أشدُّ مُنْتَقِمٍ عِقَابَا |
رَأيْتُ النّاسَ قَدْ خافُوكَ حَتى | خَشُوا بيديكَ، أوْ فرَقوا، الحِسابَا |