ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مِيلُوا إلى الدّارِ مِنْ لَيْلَى نُحَيّيهَا، | نَعَم، وَنَسألُها عَن بَعضِ أهْليهَا |
يَا دِمْنَةً جاذَبَتْهَا الرّيحُ بَهجَتَها، | تَبِيتُ تَنْشُرُهَا طَوْراً وَتَطْويها |
لا زِلْتِ في حُلَلٍ للغيثِْ ضَافيَةٍ، | يُنيرُها البَرْقُ أحْياناً وَيُسديها |
تَرُوحُ بالوَابِلِ الدّاني رَوَائِحُها، | عَلى رُبُوعِكِ، أوْ تَغْدو غَواديها |
إنّ البَخيلَةَ لمْ تُنْعِمْ لِسَائِلِها، | يَوْمَ الكَثيبِ وَلَمْ تَسمَعْ لِداعِيهَا |
مَرّتْ تَأوَّدُ في قُرْبٍ وَفي بُعُدٍ، | فالهَجْرُ يُبْعِدُهَا والدّارُ تُدْنيها |
لَوْلا سَوَادُ عِذَارٍ لَيْسَ يُسلِمُني | إلى النُّهَى لَعَدَتْ نَفْسِي عَوَاديها |
قد أطرُقُ الغادَةَ الحْسنَاءَ مُقْتَدِراً | على الشّبابِ، فتُصْبِيني، وأُصْبِيها |
في لَيْلَةٍ لا يَنَالُ الصّبحَ آخِرُهَا، | عَلِقْتُ بالرّاحِ أُسْقَاهَا وَأسْقِيهَا |
عاطَيْتُها غَضّةَ الأطرَافِ، مُرْهَفَةً، | شَرِبتُ مِنْ يَدِها خَمراً وَمِن فِيهَا |
يا مَنْ رَأى البِرْكَةَ الحَسْنَاءَ رُؤيَتُها، | والآنِسَاتِ، إذا لاحَتْ مَغَانِيها |
بحَسْبِهَا أنّها، في فَضْلِ رُتْبَتِها، | تُعَدُّ وَاحِدَةً والبَحْرُ ثَانِيها |
ما بَالُ دِجْلَةَ كالغَيْرَى تُنَافِسُها | في الحُسْنِ طَوْراً وأطْوَاراً تُباهِيهَا |
أمَا رَأتْ كالىءَ الإسلامِ يَكْلأُهَا | مِنْ أنْ تُعَابَ، وَبَاني المَجدِ يَبْنيهَا |
كَأنّ جِنّ سُلَيْمَانَ الذينَ وَلُوا | إبْداعَهَا، فأدَقّوا في مَعَانِيهَا |
فَلَوْ تَمُرُّ بهَا بَلْقِيسُ عَنْ عَرَضٍ | قالَتْ هيَ الصّرْحُ تَمثيلاً وَتَشبيهَا |
تَنْحَطُّ فيها وُفُودُ المَاءِ مُعْجِلَةً، | كالخَيلِ خَارِجَةً من حَبْلِ مُجرِيهَا |
كأنّما الفِضّةُ البَيضاءُ، سَائِلَةً، | مِنَ السّبائِكِ تَجْرِي في مَجَارِيها |
إذاعَلَتْهَا الصَّبَا أبدَتْ لهَا حُبُكاً | مثلَ الجَوَاشِنِ مَصْقُولاً حَوَاشِيهَا |
فَرَوْنَقُ الشّمسِ أحْياناً يُضَاحِكُها، | وَرَيّقُ الغَيْثِ أحْيَاناً يُبَاكِيهَا |
إذا النُّجُومُ تَرَاءَتْ في جَوَانِبِهَا | لَيْلاً حَسِبْتَ سَمَاءً رُكّبتْ فيهَا |
لا يَبلُغُ السّمَكُ المَحصُورُ غَايَتَهَا | لِبُعْدِ ما بَيْنَ قاصِيهَا وَدَانِيهَا |
يَعُمْنَ فيهَا بِأوْسَاطٍ مُجَنَّحَةٍ | كالطّيرِ تَنقَضُّ في جَوٍّ خَوَافيهَا |
لَهُنّ صَحْنٌ رَحِيبٌ في أسَافِلِهَا، | إذا انحَطَطْنَ، وَبَهْوٌ في أعَاليهَا |
صُورٌ إلى صُورَةِ الدُّلْفِينِ، يُؤنِسُها | مِنْهُ انْزِوَاءٌ بِعَيْنَيْهِ يُوَازِيهَا |
تَغنَى بَسَاتِينُهَا القُصْوَى بِرُؤيَتِهَا | عَنِ السّحَائِبِ، مُنْحَلاًّ عَزَاليهَا |
كأنّهَا، حِينَ لَجّتْ في تَدَفّقِهَا، | يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سَالَ وَادِيهَا |
وَزَادَها زُِتْبَةً مِنْ بَعْدِ رُتْبَتِهَا، | أنّ اسْمَهُ حِيْنَ يُدْعَى من أسامِيهَا |
مَحْفُوفَةٌ بِرِياضٍ، لا تَزَالُ تَرَى | رِيشَ الطّوَاوِيسِ تَحكِيهِ وَتحكيهَا |
وَدَكّتَينِ كَمِثْلِ الشِّعرَيَينِ غَدَتْ | إحداهُمَا بإزَا الأخرَى تُسَامِيهَا |
إذا مَسَاعي أمِيرِ المُؤمِنِينَ بَدَتْ | للوَاصِفِينَ، فَلا وَصْفٌ يُدانِيهَا |
إنّ الخِلاَفَةَ لَمّا اهْتَزّ مِنْبَرُها | بجَعْفَرٍ، أُعْطِيَتْ أقْصَى أمَانِيهَا |
أبْدَى التّوَاضُعَ لَمّا نَالَها، دَعَةً، | عَنْهَا، وَنَالَتْهُ، فاختَالَتْ بهِ تِيهَا |
إذا تَجَلّتْ لَهُ الدّنْيَا بِحِلْيَتِهَا، | رَأتْ مَحَاسِنَهَا الدّنْيَا مَسَاوِيهَا |
يا ابنَ الأباطحِ مِنْ أرْضٍ أبَاطِحُها | في ذِرْوَةِ المَجْدِ أعلى مِن رَوَابِيهَا |
مَا ضَيّعَ الله في بَدْوٍ وَلاَ حَضَرٍ | رَعِيّةً، أنتَ بالإحْسَانِ رَاعِيها |
وأُمّةً كَانَ قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطُهَا | دَهْراً، فأصْبَحَ حُسنُ العَدلِ يُرْضِيهَا |
بَثَثْتَ فيها عَطَاءً زَادَ في عُدَدِ الـ | ـعَلْيَا، وَنَوّهْتَ باسْمِ الجُوْدِ تَنْوِيهَا |
ما زِلْتَ بَحْراً لِعَافِينَا، فكَيْفَ وَقَد | قَابَلْتَنَا وَلَكَ الدّنْيَا بِمَا فِيهَا |
أعْطَاكَهَا الله عَنْ حَقٍّ رَآكَ لَهُ | أهْلاً، وأنْتَ بحَقّ الله تُعْطِيهَا |